إذا أخذنا بما قاله الرئيس الأميركي ترامب في حفل تنصيبه، بأنه يريد أن "يسجل التاريخ اسمه كصانع سلام"، فإن من حقنا أن نقدم وجهة نظرنا بالسلام، لأننا نحن الفلسطينيين الذين كنا في قلب الصراع القاسي والذي اكتوينا منه منذ أكثر من مئة عام، وامتلكنا التجربة السياسية ومن النضوج كي نقدم تصورنا للسلام الحقيقي الذي يحقق الاستقرار في الشرق الأوسط.

لسنا في صدد تحليل خطاب التنصيب وما تلاه من تصريحات للرئيس ترامب، خصوصًا بما يتعلق بالقضايا التي تخص الداخل الفلسطيني، ولا حتى في رؤية ترامب للعالم، فهذا متروك للجهات المختلفة لتحللها وتبدي رأيها.

وقبل الحديث عن ماذا نريد من الرئيس الأميركي، فإن هناك حاجة أن نتصرف بحنكة ونحمي مكتسباتنا ووجودنا على أرضنا، وأن نحافظ على كياننا السياسي على أرض فلسطين المتمثل بالسلطة الوطنية الفلسطينية، وعلى إطارنا السياسي المعترف به دوليًا كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، والمقصود هنا منظمة التحرير الفلسطينية. وأن أي مشروعٍ يريد الإصلاح، فليقم بذلك من الداخل، وليس من خلال إضعاف المنظمة والسلطة وخلق بدائل لها.

وقبل أن نتوجه إلى ترامب بماذا نريد هناك حاجة لعمل وطني فلسطيني يمنع استخدام الانقسام الفلسطيني وتحميل الشعب الفلسطيني للمرة الألف مسؤولية نكباته، والعمل الوطني يبدأ من خلال إعلان من قبل حماس بإنهاء الانقسام وعدم مواصلة فصل قطاع غزة عن الضفة، لأنها قدمت نفسها للعالم على أنها لا تزال تسيطر على القطاع.

بعد هذا الإعلان نبدأ ورشة حوار مكثف نتفق خلالها على موقف موحد يُشكل قاعدة لما قد نقترح بخصوص وجهة نظرنا للسلام التي سنتقدم بها للرئيس ترامب، والمجتمع الدولي عمومًا، لا مجال لنجاح أي مبادرة وقطاع غزة منفصل عن الضفة، فأي خطوة بالضرورة أن تبدأ من قطاع غزة وحسم مستقبله، ليصبح هو والضفة إقليم الدولة الفلسطينية.

أي حديثٍ عن السلام لا يبدأ بتوحيد قطاع غزة مع الضفة، لن يُؤخذ على محمل الجد، وهو مؤشر على الاستمرار بنفس سياسة التسويف وفرض الاحتلال على الشعب الفلسطيني بأشكالٍ مختلفة.

تحقيق وحدة إقليم الدولة الفلسطينية، تتحمل مسؤوليتها الدول العربية التي عمق بعضها الانقسام الفلسطيني.

ليس الهدف اليوم فتح جروح الماضي، وإنما توحيد الموقف الفلسطيني والعربي وتقديم مشروع سلام شامل يستند إلى المبادئ التي حددتها المبادرة العربية، وخصوصًا مبدأ إنهاء الاحتلال مقابل التطبيع، أو على الأقل وضع جدول زمني لإنهائه، وأن يكون حل الدولتين هو الهدف. ومن الناحية العملية فإن الإعداد للسلام الشامل يتناقض مع مشاريع الضم والاستيطان، فالبند الأول بما نريد من الرئيس ترامب، إذا كان بالفعل يريد إحلال السلام، هو منع أي مخطط للضم في الضفة أو إبقاء جيش الاحتلال على أي شبر من قطاع غزة، لأن ما تتحدث به إسرائيل من احتفاظ بشريط على الحدود بعمق 700 إلى كيلومتر يعني أنها ستضم من 18 إلى 20 بالمئة من القطاع، من هنا رفض الضم يشمل الضفة والقطاع.

وما يجب أن ندركه أن هذا الرئيس لا يفكر ولا يتخذ مواقفه بالطريقة التقليدية المعتادة، بل هو يفكر من خارج صندوق السياسة والكليشهات الأميركية التقليدية، ولهذا سلبياته وإيجابياته، وهو يفضل الأفكار العملية، وليس القوالب الجامدة، من هنا أهمية الطريقة التي يجب أن نقدم بها اقتراحاتنا له دون أن نتنازل عن حقوقنا الأساسية.

هناك أهمية لمسألة تسويق الأفكار وأن ترتبط أفكارنا السياسية المتمسكة بالحقوق، بالاستثمار والاقتصاد وأهمية وجود الدولة الفلسطينية لتهيئة الشرق الأوسط للمشاريع العابرة للحدود، هو لا يرى مثلاً في قطاع غزة سوى مساحة للاستثمار، وهذا ما قاله في احتفالات تنصيبه.

ثمة حاجة لتغليف ذكي لأفكارنا التي نقدمها للرئيس ترامب، وهذا يجعلنا بحاجة إلى خبراء في هذا المجال، وحاجة إلى التعرف على المشاريع الكبرى المطروحة في المنطقة وأن نؤقلم عروضنا السياسية معها.

وهنا تأتي أهمية التنسيق عن قرب مع المملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج ومع الأردن ومصر. هناك تفهم فلسطيني لمصالح الأشقاء العرب ونتوقع بالمقابل أن يحافظ الأشقاء على شقيقهم الفلسطيني، وعلى منع المس بحقوقه الوطنية على أقل تقدير ودعم تطلعاته والتي في جوهرها لا تتناقض مع تطلعات الدول العربية في السلام والاستقرار والازدهار.