في وقت بقي الدم الفلسطيني دماً مسفوحًا حتى اليوم وعلى مر السنين لأن هنالك من ابتلى شعبنا إلا أن يقتل يوميًا وبشتى الطرق والأساليب، تختلف الوسائل بها وتبقى النتيجة واحدة في محاولات تسعى لها الحركة العنصرية الصهيونية في هذا العالم، الذي بقي متفرجاً بل وبجزء منه مشاركاً، حتى أضحت المحارق في غزة اليوم وكأنها عملاً لم يعد جريمة استثنائية وحشية، لأنهم أشغلوا مجتمعاتنا بالمشرق العربي باختلاق أسس الفوضى بعد الاستعمار التي باتت تأخذنا إلى جحيم الحياة كما يريدون لنا ونحن قبائل متقاتلين ومتفرجين على ما يُخطط ويُنفذ لنا وبعلم ومعرفة البعض من تلك القبائل.
يقول راحلنا الكبير محمود درويش، نصير شعباً عندما ننسى ما تقوله لنا القبيلة. في المجتمعات العربية فشلنا في العقود الأخيرة بخلق إنسانٍ يُفكر يعي معنى الوطنية والمواطنة والدولة المدنية الديمقراطية، فقد تَشكل لدينا جمهور مُصفق وجمهور لاعن، يُصفق مرة ويلعَن مرة أخرى، لكنه لا يُفكر لأنه ملتزم بما تقوله القبيلة.
إن ذلك نتاج عقلية القطيع التي حاول وما زال يحاول فرضها من يعتقدون أن الله لم يهدي سواهم أو من الذين يعتقدون أنهم يمتلكون الحقيقة والمعرفة وحدهم دون غيرهم، فلم يسمحوا بمبادرات نقدية تحت سطوةِ تُهم التكفير أو امتلاك الأجندات الخارجية. إنها العقلية المبرمجة التي تمرر ما يخطط المُستعمر له وتؤخر التطور الإنساني وتعيق الفكر النقدي والبحث عن الأفضل. هي نموذج من محاولات فرض الفكر الظلامي والشمولي الأحادي ومحاربة التعددية ومنع مبادرات استقلال وحرية التفكير وصولاً لما هو أجمل وأفضل بالحياة. فكُنا أن وصلنا إلى ما نحن عليه الآن في مجتمعاتنا من أوضاع تُسهل اخضاعنا والسيطرة علينا بما يؤخر نهوضنا وحرياتنا ويُمكن من استدامة استعمارنا بمسميات مختلفة. فمتى ننهض بعيداً عن مسميات أبناء القبيلة وما تقوله لنا والجمهور التابع، لنصير شعباً يشعر بالانتماء والارتباط والتواصل والعطاء الإبداعي في أوطان يجب أن لا نشعر بالاغتراب بها لأننا لا نملك سواها وحتى يتجسد بها ما قاله أبو الوطنية الفلسطينية أبا عمار، في وطن حُر لشعب من الأحرار.
وحتى لا تسود فكرة أن تَبقى هنالك أغلبية صامتة تُراقب ما يَجري دُون تعليق وحتى لا نبقى أمواتاً، ولكي نجد لنا مكانًا على هذه الأرض تحت الشمس كما غيرنا من الشعوب وجدت، هنالك حاجة لإعادة قراءة ما كتبه فرانتز فانون وجان بول سارتر وآخرين، فيمكن لذلك أن يُفسر بعض ما يَحصل في مُجتمعاتنا من ظواهر لها علاقة بما يتركهُ المُستعمِر علينا كشعوب ما زالت مُستَعمَرة من آثار نعكسها كشعوب في ضعف أداء البعض منا أو في علاقاتنا بين بعضنا البعض أو في فِهمنا للأمور لتكون نتائجها أو اَثارها عوامل تؤدي لاستمرار اِخضاعنا وعدم تَقدُمنا في مسيرة الكفاح الوطني الديمقراطي بمكوناته الفكرية والسياسية والاجتماعية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها