في غزة كل شيء مختلف، العدوان يأكل كل شيء، مجاعة تنتشر كالوباء، تنتقل من الشمال إلى الجنوب، وكأنها تتحرك عكس عقارب الساعة، لا تريد أن تتوقف لا هي ولا قوافل المساعدات القليلة التي يتركها جيش الاحتلال لتصل إلى يد اللصوص وليس المحتاجين.
في غزة الأطفال لا يحلمون ولكنهم فقط يتمنون الحياة. في غزة البحر لا ينقل السفن ولكنه ينقل الجثث. في غزة اللون الأحمر هو الذي يطغى على كل الألوان. في غزة ما زال هنالك شعب يصرخ "لا للاحتلال" ولكنه أيضًا يريد أن يعيش بسلام. في غزة النقود برغم شحها إلا أنها لا تقبل جميعها في التداول، حيث لا تقبل العشرة شواقل في التداول ولكن الخمسة وغيرها تقبل.
لم تعد الدوائر التابعة لحماس تقبل العشرة شواقل في تداولاتها القليلة.
ذهب أحد الأصدقاء المراجعين إلى دائرة الأحوال الشخصية ليسجل طفلته الجديدة، عرض عليهم عشرة شواقل رسومًا للتسجيل، ولكنه فوجئ بأن الدائرة لم تقبل تحصيلها، وأصرت فقط على مبلغ الخمسة شواقل كرسوم تسجيل الولادة الجديدة.
في البداية اعتقد صديقي أنهم لا يملكون (فكة) العشرة شواقل فأخبرهم بأن يأخذوا الباقي، ولكنهم رفضوا، فاعتقد بأن هذا الرفض نتيجة للنزاهة والشفافية منعًا للرشاوى والفساد، ولكنهم أخبروه أن عملة العشرة شواقل غير مقبولة لديهم وأن عليه صرفها، فاضطر هذا الصديق إلى الذهاب إلى السوق وشراء شيء بسيط حتى يحصل على مبلغ الخمسة شواقل، حيث أنهم سرعان ما قبلوها دون تردد.
سألت هذا الصديق ساخرًا: ما الذي يحصل بالضبط؟ فأجاب أن البعض يروج أنها مزورة، والبعض الآخر يخبرنا بأن التجار لا يقبلون التداول بها. شيء غريب تمامًا كما أن كل شيء يحدث بغرابة في غزة. وعندما قمت بالاستفسار من بعض أصدقائنا في القطاع، أخبرني بعضهم أن شريحة الموظفين الذين يحصلون على رواتبهم من قبل السلطة الوطنية لا يستطيعون صرفها من خلال البنوك لأنها دمرت، ولا يستطيعون صرفها أيضًا من قبل الصرافين لأنهم يحصلون على نسبة تتجاوز الثلث من قيمة الراتب كفائدة. وبالتالي يضطر هؤلاء الموظفون وهم بالمناسبة كثر، إلى تحويل هذا الراتب إلى التجار من خلال تطبيق بنكي، بالمقابل يقوم التاجر بعد أن يتلقى مبلغ التحويل إلى إعطائهم هذا المبلغ نقدًا مع عمولة بسيطة. وفي العادة، فإن التجار يملكون عشرات الشواقل في جعبتهم ويتخلصون منها من خلال مقايضتها لشريحة الموظفين. بكلمات أخرى، تعم الفائدة المشتركة بين الطرفين، حيث يتخلص التاجر من فائض العملات المعدنية لديه وينجح الموظف من الإفلات من قبضة الصرافين الذين يحصلون على نسبة تقارب الثلث من رواتبهم كفائدة لعملية التحويل. وهذه العملية كلها (تبادل النقد المعدني) تأتي في سياق عدم وجود بنوك عاملة في القطاع. وربما، فإن كل هذه العملية وإن بدت مختلفة وغريبة، إلا أنها منطقية، ولكن المستغرب هو أن تقوم الجماعات الحمساوية بعدم التدوال بالعملة المعدنية العشرة شواقل، فما دخل هذه المؤسسات بالتجار والموظفين والصرافين؟.
في الواقع الإجابة بسيطة ويمكن استنتاجها بسهولة، وهي أن نسبة الثلث التي يتقاضاها الصرافين من صرف رواتب الموظفين تحصل حماس بغير وجه حق على نسبة عالية منها. للأسف هذه الحقيقة، ففي غزة الجمرك ليس فقط على شاحنات المساعدات وإنما أيضًا على الرواتب، والربا على ما يبدو عند حماس ليس محرمًا عندما يفرض على رواتب موظفي السلطة الوطنية حتى في زمن الإبادة الجماعية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها