إن نمو جماعات مسلحة كالفطريات، تحت مسميات واستخدامات لمصطلحات دينية، والجهر بولاءات لدول وقوى خارجية مسجلة بالصوت والصورة علنًا، لم يكن صدفة، فرأس الفلسطيني الوطني سيبقى مطلوبًا لمنظومة الاحتلال، ومن يعتقد بانتمائه الوطني عليه التفكير مليون مرة قبل توجيه سلاحه نحو صدر شقيقه الفلسطيني، أو نحو مؤسسات الشعب الفلسطيني كافة التي ما أنجزت إلا بعد تضحيات جسام بعشرات آلاف الشهداء والجرحى والأسرى، فكل رصاصة نحو مقرات المؤسسة الأمنية نعتبرها صاروخًا إسرائيليًا مدمرًا، ليس للمؤسسة الأمنية الفلسطينية التي يتبنى قادتها وضباطها وأفرادها عقيدة وطنية خالصة، تقدس نفس الإنسان الفلسطيني وتحرم الاقتتال الداخلي وحسب، بل للحق الفلسطيني، ووحدة الشعب الفلسطيني، وثقافة الإنسان الفلسطيني الحضارية، مدمرًا لحاضره ومستقبله ووجوده على أرض وطنه فلسطين. لذا ليس أمام من يمثل إرادة الشعب تمثيلاً قضائيًا، وقانونيًا، وأمنيًا إلا إنفاذ القانون وتطبيقه بحق المجرمين، لتحقيق الأمن وبسطه، لمنع منظومة الاحتلال من انضاج ذرائعها.
اليوم نواجه اختراقًا يهدد المشروع الوطني للشعب الفلسطيني، ويبدد مفهوم الدولة لدى عموم الجمهور الفلسطيني، والأفظع فيما يحدث في غزة، وهنا في الضفة، هو دفع المواطن الفلسطيني للكفر بمبدأ التحرر والحرية والاستقلال، وبفكرة المقاومة ضد الاحتلال، والتفكير بالتعايش مع الاحتلال، لذا علينا النظر بأن ما يحدث أكبر وأوسع من فلتان أمني، فمنظومة الصهيونية الدينية تحتاج للذرائع التي تصنعها وتشكلها وتطلقها بأسماء وأشكال نبيلة، إن لم تجدها جاهزة فتحتويها، ولا بد من التذكير بقول نتنياهو الصريح: "لولا السابع من أكتوبر 2023 لما كان لنا الشرعية المحلية والدولية لإعادة احتلال غزة، وتغيير وجه وخريطة الشرق الأوسط".
لقد بات مؤكداً ومثبتًا وصول منظومة الاحتلال إلى مرحلة متقدمة في عملية تكوين الذرائع، للابتداء بتنفيذ الجزء الآخر من خطة حملة الإبادة والتهجير القسري في مدن ومخيمات المحافظات الشمالية (الضفة الغربية) بعد تدمير مدن وبلدات ومخيمات المحافظات الجنوبية (قطاع غزة)، أما الهدف فواضح جدًا، ولا يحتاج لعدسات مكبرة، وهو إعدام ما تبقى من إمكانية لتطبيق قيام دولة فلسطينية مستقلة، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية، وبذات الوقت يتم العمل على إخراج جديد لما عرف سابقًا "روابط القرى" لتتحكم بمصائر المواطنين الذين سيبقون في موطنهم التي ستتبع أوامر منظومة الاحتلال والاستيطان الاستعماري الصهيونية (إسرائيل)، والتي تعمل بكل قواها على تحقيق هدف ضرب مشروع التحرر والاستقلال والسيادة للشعب الفلسطيني، عبر تحطيم أركان الأمن الوطني، والمجتمعي، والسلم الأهلي، وإضعاف مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، وإيصالها إلى نقطة الانهيار التام تلقائيًا، عبر تشكيل خلايا "فلتان أمني" مموه بأشكال متنوعة من الأقنعة، منها عصابات لصوص وسرقات كبيرة منظمة، كما رأينا في عمليات سرقة محلات المجوهرات مثلاً، وجماعات مسلحة تابعة لدول وقوى خارجية، تمولها لتنفذ أوامرها وتنقاد لتطبيق أجنداتها، بلا أدنى قراءة للمصالح الوطنية العليا، أو نظرة واقعية على الوقائع والحقائق على الأرض.
أما أحدث ما ظهر من صناعة أجهزة استخبارات منظومة الاحتلال فهي (خلايا داعشية) بَصَمَت بجرائمها اللا مسبوقة، على ملف مخطط تدمير نواة دولة فلسطين (مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية) وبذلك تكون حكومة الصهيونية الدينية قد استكملت الشروط اللازمة، لإشهار ذرائعها والجهر بها لتبرير حملتها وضربتها القاضية، وقد يحدث كل هذا إذا تعامل الشعب الفلسطيني، وتعاملت قواه الحية والتنظيمات والفصائل، والمنظمات الحقوقية، مع هذا الخطر الوجودي الداهم، بنظرة قاصرة، فئوية، أو وفقًا لحسابات ومناكفات حزبية، أو لتأسيس قواعد جماهيرية، تُمكن البعض من تكوين هالة قيادة أو زعامة من نوع ما، وعدت بالتمكين وتسهيل النفوذ حتى تحل كبديل عن منظمة التحرير الفلسطينية التي تعرضت وتتعرض حتى اللحظة لأفظع المؤامرات، وكأن هؤلاء لا يعلمون أنهم لن يكونوا شيئًا يذكر أو يساوي شيئًا في نظر من يستخدمهم، إذا لم يعد لمنظمة التحرير الفلسطينية وجود، لأنهم لا يدركون أن منظمة التحرير، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ستبقى النقيض الأبدي للمشاريع الاستعمارية الصهيونية التي أنكرت وجود الشعب الفلسطيني، وتحاول طمس وطن الشعب الفلسطيني، التاريخي والطبيعي، من خريطة العالم الجغرافية والسياسية، وبذلك يتم تثبيت شرعية إسرائيل المزيفة بسياقها الزمني والمكاني، على حساب شرعية الحق الفلسطيني الأزلي.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها