لعلها مفارقة غاية في الغرابة الواقعية إن صح التعبير، أن يصل "طوفان الأقصى" وبعد أن مر على بيروت، أن يصل إلى دمشق بينما وجهته حسب بياناته وإعلاناته كانت نحو بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس.
ولا شك أن "الطوفان" هذا الذي كان بقرار التمويل الإيراني، المالي والسياسي، لم يكن ليريد أن يصل إلى دمشق، وبالقطع ما خطر ببال أصحابه، واقعًا كهذا الواقع، وحالاً كهذه الحال، بل إن هؤلاء توهموا في لحظة راديكالية، بالغة الرومانسية الشعبوية، وحدة لساحات، قالوا بأنها ستدفع بالطوفان ليحط بالأقصى.
لا يمكن موضوعيًا تجاوز هذه المفارقة، بل من الموضوعية، وبلا أي تحامل من أي نوع كان، ضرورة التحديق بحقيقتها، وإدراك معناها، مفارقة لا تكشف في الواقع سوى عن هذه الحقيقة: أن ما حدث، ويحدث من تطورات دراماتيكية في الإقليم العربي، كان سببه بهذا القدر أو ذاك "الطوفان" بقدر ما شكل من ذريعة لإسرائيل اليمين العنصري المتطرف، لتشن حربها العدوانية الشاملة، لأجل خرائط جديدة للشرق الأوسط، أولاً ضد فلسطين المشروع الوطني التحرري، بهدف شطبها من هذه الخرائط التي رفعها رئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين نتنياهو" في الأمم المتحدة. كما أن هذه المفارقة تكشف وعلى نحو لا لبس فيه، وربما هذا أكثر أهمية، أن "الطوفان" لم يكن أبدًا بحسابات واقعية، ولا بحسابات ثورية، ولا حتى بتحالفات أصيلة، وإنما كان محمولاً على جملة من الشعارات، والخطابات البلاغية الثورجية، المحمولة بدورها على التمويل الحرام، والمستندة إلى أجندات غير وطنية.
هو "الطوفان" وقد ابتعد كثيرًا عن الأقصى، وحتى عن قطاع غزة، بعد أن أعادت إسرائيل احتلاله بقوة نيران الحرب الفاشية، التي تكاد أن تأتي على الأخضر واليابس في القطاع الذبيح، دمار عميق، والضحايا بمئات الآلاف، شهداء وجرحى ونازحين عطاشى وجوعى.
هو "الطوفان" الذي بواقع انهيار عالم محور الممانعة، دفع بجيش الاحتلال الإسرائيلي لأن يتوغل عشرات الكيلومترات في الأراضي السورية، من جهة الجولان المحتل.
هو "الطوفان" وما زال في رؤية ما أحدث بعد أن بات الذريعة الكبرى لإسرائيل، ما زال هناك الكثير من الكلام بشأنه، كلام الحق، والحقيقة، الذي لا ينبغي أن يخشى لومة لائم، سيأتي وقت هذا الكلام، ولا بد أن يأتي هذا الوقت.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها