صدر مؤخرًا كتاب الرئيس محمود عباس "أبو مازن" تحت عنوان "فلسطين في الساحة الدولية". وتضمن الكتاب رؤية الرئيس للعمل والقيادة نحو تحقيق أهداف المشروع الوطني وعلى رأسها تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة. جاء الكتاب بلغة بسيطة مفهومة وغير معقدة، وتتضمن أفكارًا عميقة حول الهوية الوطنية النضالية وتحديات العمل الوطني وإنهاء الانقسام الفلسطيني والمقاومة الشعبية السلمية.

اشتمل الكتاب على مصفوفة العمل الوطني التي تستهدف قيام الدولة الفلسطينية، كهدف استراتيجي أساسي، وتضمنت هذه المصفوفة مجموعة من الأهداف الاستراتيجية الضرورية لتحقيق هدف قيام الدولة، وهي:

- أولاً: توسيع دائرة الدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية، بحيث يتم تشجيع الدول الغربية على الاعتراف بالدولة الفلسطينية كدولة تحت الاحتلال، وهذا بدروه سوف يفرض واقعًا دوليًا جديدًا يضغط على إسرائيل للانسحاب من أراضي هذه الدولة.

- ثانيًا: تعزيز بنية واستدامة مؤسسات الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية والقطاع، والتي تمكن السلطة الوطنية من توفير الخدمات للشعب الفلسطيني وفرض الأمن والسلم والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.

- ثالثًا: التمسك بقطاع غزة كجزء من الدولة الفلسطينية والعمل على إنهاء الانقسام وإعادة الإعمار بعد رحيل الاحتلال. 

- رابعًا: توسيع دائرة المقاومة الشعبية السلمية باعتبارها خيارًا أقل تكلفة وأكثر منفعة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك قدرة هذه الأداة على تجنيب الشعب الفلسطيني استخدام إسرائيل القوة المفرطة والتي استخدمتها في غزة في إطار استراتيجة إسرائيلية واضحة للإبادة الجماعية والتطهير العرقي.

- خامسًا: تحقيق البراءات والتحالفات الدولية والعربية، والتي تتضمن توسيع آليات التحالف مع روسيا والصين وجنوب أفريقيا ودول البريكس ودول أميركا اللاتينية، إضافة طبعًا إلى أهمية تعزيز المحور العربي الفلسطيني في الدفاع عن القضية الفلسطينية خاصة المحور السعودي المصري الأردني. 

- سادسًا: تفعيل الدبلوماسية الرسمية والشعبية باعتبارها قوة ناعمة قادرة على استصدار قرارات أممية تجرم الاحتلال الإسرائيلي وتعمل على فرض آليات لمحاسبته، وخير دليل على أهمية أدوات الدبلوماسية الرسمية والشعبية هو استصدار قرار محكمة العدل الدولية التي تجرم الاحتلال وتعتبره فصلاً عنصريًا يهدف إلى التطهير العرقي. إضافة طبعًا إلى قرار محكمة الجنايات الدولية لاعتقال نتنياهو وغالانت. وفي موضوع الدبلوماسية الشعبية، فإن التَغيُرَات في الرأي العام للدول الغربية لصالح القضية الفلسطينية خير دليل على نجاعة وكفاءة استخدام القوة الناعمة في تعزيز ونشر الرواية الفلسطينية.

ويتضح مما سبق أن الرئيس أبو مازن يمتلك رؤية واضحة وشجاعة من أجل تحقيق حلم الشعب الفلسطيني في إنجاز دولته المستقلة، وهو يعمل منذ توليه رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية عام 2005 على تحقيق هذه الاستراتيجيات الست، ويعدد الرئيس في كتابه الانجازات الهامة التي حظي الشعب الفلسطيني بتحقيقها نتيجة لتنفيذ هذه الاستراتيجيات.

وفي النتيجة، فإن استراتيجية الرئيس أبو مازن تتمحور حول تدويل الصراع مع إسرائيل، لا سيما أن حكومة نتنياهو لم تعد شريكًا في السلام، وبالضرورة، فإن تحفيز المجتمع الدولي وتشجيعه على القيام بمسؤولياته الأخلاقية والقانونية والسياسية تجاه القضية الفلسطينية سيؤدي في المحصلة إلى فرض عقوبات على إسرائيل وتخفيض الدعم الأميركي المطلق لها، وهو تمامًا ما حدث سابقًا في تجربة إنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

وأخيرًا، أعتقد أن الكتاب يستحق القراءة والتمعن بأفكاره ومناقشتها على كافة الصعد المعرفية، كما أن الأهداف الاستراتيجية التي تضمنها الكتاب تصلح لأن تكون برامج سياسية لكافة الأحزاب الوطنية والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني، بحيث يتم العمل من قبل الكل الفلسطيني على تحقيقها بشكل شمولي ومتسق مع بعضها البعض.