اختارت منظمة العفو الدولية (أمنيستي) قول حق بليغ، نطقه مواطن فلسطيني بلغته المبسطة، بكل ما فيها من حقائق، وصدق يقدم للباحثين أبعاد المعنى، بوضوح لا لبس فيه، ولا مزين بعبارات ومصطلحات، كالتي درج على استخدامها أدعياء خبرة وتحليلات ومراكز سميت للأسف استراتيجية، فالعنوان: "بتحس أنك مش بني آدم" وضعته عنوانًا لتقريرها - 27 صفحة - حول الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة.
قبل تركيز الضوء على تقرير العفو الدولية، سنقتبس أقوال حق أيضًا، نطقتها المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين فرانشيسكا ألبانيز، على منصة مؤتمر بجامعة فيينا في النمسا بعنوان: "الحرب الإسرائيلية، تطهير عرقي استعماري". وذلك لتفنيد دعاية وادعاءات، ومقولات وتحليلات، وصور وفيديوهات، الهدف منها شئنا أم أبينا، منح تبريرات وذرائع ومصطلحات مجانية، عن قصد أو جهل، لا نراها إلا مخالفة للوقائع على الأرض، والحقائق التي يثبتها الخبراء في القانون الدولي، المعنيون بالانتصار حقًا لحقوق الإنسان، وليس بتضخيمه بعبارات تعبوية، ومنحه صورة مفبركة، كادت تسيطر على صور دمائه المسفوكة بلا ثمن أو إنجاز، فصناع صور الانتصارات الوهمية، وأصحاب مقولات: "الحمد لله قيادات المقاومة بخير" و"الخسائر التكتيكية" و"حتى آخر طفل فينا" و"الحرب في غزة" وتصوير حملة الإبادة الفتاكة بأحدث الأسلحة الحربية على مليوني فلسطيني مدني في غزة قد ساهموا بقصد أو جهل، في استمرار منظومة الاحتلال الصهيوني العنصرية الاستعمارية بتنفيذ خطة الإبادة الجماعية بحق شعبنا الفلسطيني، وتجسدت ذروتها الدموية التدميرية في قطاع غزة. فألبانيز أكدت أن إسرائيل ترتكب في غزة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ولايجوز وصف ما يحدث في غزة بأنه حرب، فللحروب قواعد أيضًا. لكن ما يحدث هناك هو دمار شامل". ثم ثبتت خلاصة الإبادة كما نطقها المواطن الفلسطيني: "بتحس إنك مش بني آدم" بقولها: "إسرائيل ارتكبت أفعالاً لتدمير الفلسطينيين، وتعاملهم كأنهم فئة دون البشر، لا يستحقون حقوقًا إنسانية ولا كرامة" وهنا لابد من سؤال جنرالات بعينهم، قضوا مضاجع المتلقي الفلسطيني والعربي عبر وسائل إعلام الخديعة في محاولاتهم إقناع المتلقي بأن ما يحدث "حرب بين جيشين نظاميين". فهؤلاء لم يسمعوا صراخ المواطن البريء البالغ عنان السماء. وشغلتهم أرقام الشيكات المدفوعة لأسمائهم الرباعية، عن رؤية صور الإبادة الجماعية المليونية، باحتساب مليوني نازح مع قائمة "200 ألف" بين شهيد وجريح ومعتقل ومفقود. أما أمنيستي فقد انتصرت بتقريرها لإنسانية المواطن الفلسطيني، لروحه، لنفسه، التي لم يرها جنرالات استراتيجية الخداع، فتقرير المنظمة يؤكد أن بحوثها: "قد وجدت أدلّةً وافيةً تثبت أن إسرائيل قد ارتكبت، ولا تزال جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزّة المحتل". ولم تتحدث عن "خاصرة رخوة" وكمائن الانتقام لفلان، والقذائف المهداة لعلان. وإنما رأت الحقيقة مجردة ومنحت العالم التالي: "على مدى شهور، ظلّت إسرائيل تعامل الفلسطينيين وكأنهم فئة دون البشر لا يستحقون حقوقًا إنسانية ولا كرامة، وأظهرت أنَّ قصدها هو تدميرهم المادي". حتى أن صوت الأمين العام لمنظمة العفو الدولية السيدة أنياس كالامار قد بدد كل الأصوات المجردة من الإنسانية بصيحتها: "لقد أظهرت أبحاثنا أن إسرائيل استمرت لعدة أشهر في ارتكاب أفعال الإبادة الجماعية، وجب أن تكون نتائجنا الدامغة بمثابة صيحة تنبيه للمجتمع الدولي، هذه إبادة جماعية، ولا بد أن تتوقف الآن". وحملت كل من يقدم السلاح لإسرائيل المسؤولية وفقًا للقانون الدولي باعتبارها متواطئة في الإبادة الجماعية، ثم لخصت فقالت: "إن قصد إسرائيل هو التدمير المادي للفلسطينيين في قطاع غزّة".
يقول خبراء إعلام الخديعة والتضليل ما يشاؤون، لكن لخبراء منظمة العفو الدولية القول الفصل: "ماحدث كان بمستوى وسرعة لم يشهد العالم مثيلاً لهما في أي صراع آخر في القرن الحادي والعشرين؛ إذ أتى على مدن بأكملها حتى سوّاها بالأرض. وسقط الكثيرون منهم في هجمات مباشرة أو عشوائية متعمدة، أسفرت في كثير من الأحيان عن إبادة عائلات متعددة الأجيال بأكملها. وخلّف هذا الهجوم دمارًا لم يسبق له مثيل". فيما الجنرال المتقاعد إياه، لا يرى إلا فتحة نفق، يسوقها كقلعة، وفيما العائلات التي أبيدت بأكملها عند رئيس حماس بالخارج خالد مشعل، وغازي حمد وأسامة حمدان، مجرد خسائر ثانوية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها