في المسائل الوطنية التي تخص المشروع الوطني ومحدداته، وفق البرنامج الذي أعلنه سيادة الرئيس محمود عباس في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 26 أيلول/سبتمبر الماضي، والمكون من 12 نقطة، لا يجوز لأي قيادي فلسطيني الحياد أو القفز عنه. لأنه في الثوابت الفلسطينية لا مجال للمجاملات، أو التساوق مع أي جهة عربية أو أجنبية، والعمل بمنطق بوس اللحى، وإرضاء هذا الطرف أو ذلك على حساب مرتكزات المشروع الوطني.
كما لا يجوز الانصياع لخيار حركة حماس، التي تبحث عن دور في تكريس وجودها على حساب الشرعية الوطنية ووحدة الأرض والشعب والقضية والمشروع الوطني، وكأنها ما زالت هي ذاتها التي كانت عليه قبل وبعد مباشرة ما جرى في طوفان الموت والإبادة، ولا أضيف جديدًا لذاكرة القيادات كافة، في أن أبواب منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب مفتوحة للجميع بما في ذلك حركتي حماس والجهاد الإسلامي، والعمل تحت رايتها وبرنامجها ومحدداتها الفلسطينية والعربية والدولية، وبالتالي إن كانت حركة حماس معنية بحماية مصالح الشعب العليا، وأهدافه الوطنية، كان الأجدر بها أن تقبل بتولي الحكومة الفلسطينية مسؤولياتها كاملة، وتفتح الأبواب أمامها لإدارة شؤون قطاع غزة، ومن خلالها يتم تشكيل اللجان التي تراها مناسبة. لا سيما وأنها صاحبة الولاية مع الدولة الفلسطينية وعلى رأسهم منظمة التحرير المرجعية الأولى للشعب، ويمكن بالتعاون مع الحكومة المكونة من وزارات وهيئات وطنية تشمل جوانب العمل الاجتماعي والاقتصادي والصحي والتربوي والحكم المحلي ووزارة الأشغال والإسكان والداخلية وهيئة المعابر الوطنية وسلطات المياه والكهرباء والنقد وغيرها تنسيق وتنظيم آليات العمل، وعلى أرضية الشراكة الوطنية الحقيقة.

وكنت كتبت أكثر من مرة حول تشكيل اللجنة الإدارية، أو ما يطلقون عليها اسم لجنة الإسناد المجتمعي، وسجلت رفضي لمبدأ تشكيلها، لأنها عنوان من عناوين سحب البساط من تحت أقدام الشرعية الوطنية، وباسم الرئيس والشرعية الفلسطينية، وهي ليست تابعة للحكومة الفلسطينية، إنما هي أداة موازية، ومنفصلة عنها، وتعمل اللجنة على تعميق الفصل بين الضفة والقطاع، وهي جزء لا يتجزأ من المخطط الإسرائيلي الأميركي وبعض العربي، ويجب العمل على وأدها وتصفيتها فورًا، ورفض مكانتها ودورها. ومطلوب من القيادة الفلسطينية الإيعاز للشخصيات الوطنية من أبناء القطاع والضفة، الذين تواصل معهم ممثلون عن الإدارة الأميركية برفض التعاون معها تحت أية مسميات وهمية لا صلة لها بالمشروع الوطني، لأنها تهدف لتكريس رؤية الأعداء ومن يدور في فلكهم من عرب وعجم.
ومن يقرأ الوثيقة التي أعلن عنها نتاج اجتماعات القاهرة أمس، تتضح له الصورة جلية ودون رتوش أو مساحيق، والحديث عن وحدة الضفة والقدس وقطاع غزة، هي ذر للرماد في العيون، وتتنافى مع أبسط معايير الوحدة، لأن الوحدة الحقيقية تكون مرجعيتها منظمة التحرير والقيادة الشرعية وحكومتها، غير ذلك مجرد أكاذيب وتلفيقات وهمية. وكيف تتبع للحكومة، وفي ذات النقاط الواردة في النقاط السبع الأساسية وتفصيلاتها الواردة فيها، "تعمل على التنسيق مع الحكومة الفلسطينية"، بمعنى واضح أنها منفصلة عن الحكومة، وموازية لها، وستبقى تدير أمور القطاع لحين إجراء الانتخابات التشريعية، بتعبير آخر، هي أداة قسمة وتمزيق لوحدة الأرض والشعب والمشروع الوطني والنظام السياسي الفلسطيني.

ما تقدم يتطلب من كل فلسطيني غيور على وحدة الشعب ومصالحه الوطنية العليا، العمل على إسقاط مشروع اللجنة الإدارية الانقسامية والانقلابية والمهددة لمستقبل النضال الوطني، والتفريط بتضحيات الشعب الهائلة نتاج الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية، التي أودت بحياة ما يزيد عن 55 ألف شهيد وما يفوق 105 ألف جريح. فضلاً عن التدمير الهائل خلال 425 يومًا من دورة الدم والموت المعلن والتهجير القسري لما يقارب المليوني إنسان فلسطيني، وتبديد المكتسبات الوطنية، وإدارة الظهر للتضامن العالمي الواسع مع فلسطين الشعب والقضية والاهداف الوطنية. ومن يقبل التعاطي مع اللجنة الإدارية فهو متورط من حيث يعلم أو لا يعلم مع المشروع التصفوي للقضية. وبالتالي تفرض الضرورة إعادة الاعتبار لمرتكزات المشروع الوطني دون مغمغة أو فذلكات سطحية وساذجة.