أن يكون المرء عاقلاً متعقلاً، حكيمًا، تدله بصيرته على حقائق الحياة، وتمنحه قوة فك أسرارها، أن يأخذ أموره الشخصية وقضايا مجتمعه الإنساني بالبحث والعلم والمعرفة، أن يقرر التمركز في نقاط الدائرة الصريحة، ويقدس روح ونفس الإنسان، ويؤمن بأن الشريعة القادرة على حفظ توازن الكون هي الحياة، وأن الموت حق ويحضر في لحظة ما آتية لا ريب فيها، أن يكون مؤمنًا بالمبادئ والقيم الأخلاقية الانسانية، والشرائع والفلسفات والنظم والمواثيق والقوانين المتجددة مع كل يوم تشرق فيها شمس الدنيا على أرض آدم وسلالته، أن يعمل بإخلاص لإعلاء كرامة الإنسان وعزته وحريته وحقه في الحياة أيًّا كان جنسه وعرقه وعقيدته وهويته، أن يكون صابرًا وبذات الوقت شجاعًا، منتصرًا للحق حيث يجب الانتصار، وأن يجسم عمليًا رؤاه الصائبة، معنى خلود الأسماء والأعمال الأسمى، ذلك أنه الانتصار الأعظم  للإنسان، أنثى كان أو ذكرًا، لكل امرئ يعتقد بقدرته على المساهمة في بناء صرح الإنسانية.

 أما أن يكون المرء جاهلاً، عبثيًا، تدفعه غرائزه للسقوط مرة تلو أخرى، جاف الدماغ، بلا ذاكرة، يحفظ الأبجدية وكلماتها وكتبها وقواميسها لكنه لا يفقهها ولا يفهمها إلا بما يحقق رغباته، متمركزًا ومتشبثًا بموقع ما في الدائرة المريحة لشيطانه البشري، المستوطن في مركز دماغه الجسدي والنظري، مستميتًا لخوض المستحيل من أجل إقناع أحفاد آدم لتقديس القتل، وسفك الدماء، ومحترفًا في تزوير وتحريف مفردات وكلمات وحروف ونقاط الكتب والرسالات السماوية واستخدامها في حروبه الشخصية، ولتحقيق مكاسب سكن الباطل في تفاصيلها سلفًا. أن يكون اعمى، بلا رؤية حتى لو كان ناجحًا بامتياز في فحوصات سلامة حاسة البصر، أن يعتقد بأن قيادة الناس كقيادة آليات فولاذية، يجلس في كابينتها الصلبة المحمية المؤمنة أصلاً من الشركات التي منحته رخصة قيادتها، متجاهلاً الفارق بينها وبين روح الإنسان التي هي من أمر الله، ونفسه التي قدسها الله، وساعيًا لإبطال معادلة القانون الإلهي: أن من أحياها قد أحيا الناس جميعًا، ذلك بقصد نشر القتل وسفك الدماء كشريعة بديلة، لشريعة الحياة والسلام والمحبة بين أحفاد سلالة آدم، فهذا هو الانكسار الأعظم الذي سيصيب الإنسانية إذا سادت ذرية هذا المرء المتشيطن، أيًّا كانت لغته ومراجعه.

ما بين المرء في دائرة الحق والسلام (الصريحة)، والآخر في دائرة الباطل والقتل (المريحة) مساحة وافرة للمرء الذي ما زال ميزان عقله سليمًا صحيحًا، فعلى أرض هذه المساحة الزمانية والمكانية ما لا يعد ولا يحصى من الشواهد، والبينات والدلائل والبراهين، المساعدة على أخذ القرار الصائب، لا يحتاج الأمر لأكثر من وضعها تحت عدسة عقلانية مكبرة، متحررة من التراكمات والإسقاطات، والمفاهيم المعلبة التي غذي ذهنه منها، حتى أفسدت روحه، فهذه المساحة المفتوحة للاختيار، ليست  بلا نهاية، فإما دخول الدائرة (الصريحة) والفوز بذهبية الإنسانية باطمئنان للسلام الممتد حتى ما بعد الآفاق، أو الهروب إلى ما يظنها الدائرة (المريحة) فلا يفوز إلا بمسمى المنتحر الذي يستعجل الموت ليواري سوأة ضعفه وفشله في امتحانات الحياة.

لا يوجد للمرء خيار ثالث، فكل دائرة ستكبر على حساب الأخرى، فإما دائرة الحياة بالسلام مع الذات والآخرين بالحق والعدل، فتتوسع حتى تبلغ اقصى جهات الأرض، أو دائرة القتل ستنشر كلما توسعت الدمار والخراب والهياكل العظمية لأحفاد آدم في العراء، حتى لا يبقى لهذا المرء الثالث مكان على الأرض.