هي نفس تلك الأسطوانة المشروخة "وقف إطلاق النار، أو نطالب بوقف إطلاق النار، نعمل بجهد كبير من أجل وقف إطلاق النار، نحث أطراف الصراع على وقف اطلاق النار" وما شابهها من التصريحات التي يكررها القادة والسياسيين الأميركيين بدءً من بايدن وبلينكن وصولاً إلى المتحدثين باسم البيت الأبيض والخارجية الأميركية، يلتقي معها إلى حد كبير موقف كل من بريطانيا وألمانيا، هي عبارات خادعة وفارغة المضمون تترافق دومًا بعبارات مثل حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، أو تحميل الفلسطينيين الأسباب المباشرة لعدم وقف إطلاق النار، وتجاهل أن أسباب الصراع تعود إلى أكثر من سبعة عقود من الاستعمار، وأيضًا متجاهلة لحالة الحصار المستمرة على قطاع غزة منذ العام 2006، وطرح الصراع وكأنه ابتدأ في السابع من أكتوبر 2023، وليس مع بدء احتلال فلسطين عام 1948، بل حتى قبل ذلك بثلاثة عقود.

دخل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عامه الثاني، حاملاً معه حملة إبادة وتدمير للقطاع غير مسبوقة في التاريخ الحديث خاصة أنها تتم تحت البث المباشر وتلقى إدانة من كل المؤسسات الإنسانية والحقوقية حول العالم، خلالها قام وزير خارجية أميركا بلينكن بزيارة المنطقة ما يقارب عشر مرات، وفي كل مرة كان يتحدث عن ضرورة وقف إطلاق النار، لكن بالمطلق لم يدعو إسرائيل لوقف إطلاق النار، وإنما في معظم الحالات كان يحمل الفصائل الفلسطينية الأسباب في عدم وقف إطلاق النار.

أما الرئيس الأميركي بايدن والذي أطلق مبادرته لوقف إطلاق النار في مطلع حزيران من هذا العام، مطالبًا الطرفين بقبولها، علمًا أن الحكومة الإسرائيلية لم توافق عليها بل ردت عليها بأنه لا وقف لإطلاق النار دون القضاء على الفصائل الفلسطينية، لم يغير ذلك من الموقف الأميركي وبقي داعمًا ومساندًا لإسرائيل، ولم يخرج عن البيت الأبيض أو المتحدثين باسمه أي موقف ولو خجول أمام الموقف الإسرائيلي الرافض لمقترح بايدن الداعم لإسرائيل وفق الرؤيا الأميركية، بل إن الولايات المتحدة استمرت بحالة الدعم العسكري غير المحدود لإسرائيل، مما يؤكد على التطابق في الاستراتيجية الأميركية مع الاستراتيجية الإسرائيلية.

وأمام هذه المطالب وحالات الضغط الكبيرة من قوى ودول عديدة في العالم، وبعد أن قام مجلس الأمن عبر معارضة واضحة من أميركا والدول الأوروبية المركزية برفض عدة مقترحات لوقف إطلاق النار، كان أبرزها المقترح الجزائري شباط 2024 والذي يطالب بالوقف الفوري للحرب على قطاع غزة، إلا أن أميركا اتخذت قرار الفيتو ضده وبالتالي لم يتم تمرير القرار، وعندما عادت الجزائر مرة أخرى بصياغة مقترح جديد بتاريخ 29/5/2024 من أجل طرحه على مجلس الأمن واجهت المعيقات والمعطلات الأميركية في سبيل عدم تقديم الجزائر لمقترح جديد، والتفت عليه بمقترح أميركي يمثل مقترح بادين بشكل كبير، والذي قال عنه المتحدث بلسان الخارجية كيربي بأنه مقترح إسرائيلي بالأصل، تم تمرير القرار في مجلس الأمن 31 أيار 2024، إلا أن إسرائيل اتخذت موقفًا سلبيًا منه، ولم تكلف أميركا نفسها حتى بانتقاد علني للموقف الإسرائيلي.

تبدو المفارقة بل الخديعة واضحة جدًا ما بين دعوات الولايات المتحدة الأميركية وبعضًا من القادة الأوروبيين بوقف إطلاق النار، واستمرارهم بالدعم المادي والعسكري لإسرائيل، أميركا ومعها بريطانيا وألمانيا مستمرة بالدعم والاسناد لدولة الاحتلال، والدعوة لوقف إطلاق النار من قبل هذا السياسي أو ذاك ليست أكثر من عبارات دبلوماسية عامة ليس لها قيمة طالما أن مثل هذه الدول توفر المظلة والاسناد لدولة الاحتلال في كل المنابر الأممية، بل إنها وصلت إلى تهديد قضاة في محكمة الجنايات الدولية لمحاولة ترهيبهم حتى لا يتخذوا قرارات إدانة أو جلب للعدالة الدولية بحق قادة وسياسيين إسرائيليين. مما يعني أن هذه الدول تعني وتهدف إلى استسلام شعبنا وفقًا للشروط والمطالب الإسرائيلية لا أكثر ولا أقل.

وبمقارنة سريعة ما بين الدعوات لوقف العدوان في فلسطين، ومع الدعوات لوقف إطلاق النار في لبنان، فإن السيناريوهات متشابهة إلى حد التطابق، بدلالة أعمال المصطلح التفاوضي "التفاوض تحت وقع الضربات العسكرية" ورفض حتى العودة إلى اتفاق 1701، وأن المطلوب إعادة رسم الخارطة السياسية في لبنان حتى يتم وقف إطلاق النار.