لم يكن صناعة الكيان الاستعماري الإسرائيلي على أرض فلسطين حبًا باليهود أو بزعم انصافهم بعد ما تعرضوا له من ظلم واضطهاد من قبل الدول الغربية وإنما لتحقيق هدفين:

- أولاً: التخلص من وجودهم في أوروبا لسبب ديني.

- ثانيًا: إقامة قاعدة استعمارية عدوانية توسعية غريبة بسكانها عن محيطها العربي.

- ثالثًا: الهيمنة على مفاصل وسيادة القرار على الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية من خلال صناعة الأداة واليد الضاربة للقوى الاستعمارية لضمان تفكيك الوطن العربي الكبير لأقطار تفتقر لقوة ومنعة جبهاتها الداخلية عدا عن تاجيج الخلافات البينية فيما بينها لمنع وحدته السياسية والاقتصادية والعسكرية ليمكن القوى الاستعمارية من نهب ثرواته وترسيخ وتعزيز تبعيته وحرمانه من عناصر القوة بأشكالها وخاصة لموقعه الجغرافي الإستراتيجي.

ما تقدم يؤكد على وظيفة الكيان الاستعماري الإسرائيلي التوسعي في خدمة قوى الاستعمار العالمي وتمكينه عام 1948 الإعلان عن إنشاء كيانه المصطنع بعد احتلال نصف مساحة الدولة العربية الفلسطينية "45% من مساحة فلسطين التاريخية" المحددة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة "قرار التقسيم" رقم 181 الصادر في 29/ 11/ 1947 ومشاركته بالعدوان الثلاثي "الفرنسي البريطاني الإسرائيلي" على مصر عام 1956 وعدوانه على الأردن ومصر وسوريا في الخامس من حزيران عام 1967 ورفضه بدعم أميركي أوروبي تنفيذ قرارات مجلس الأمن ومنها 242 و338 و2334 الداعية لإنهاء احتلاله للضفة الغربية وقطاع غزة والجولان ومن تنفيذ أي من عشرات القرارات الصادرة عن الجمعية العامة وأهمها قرار رقم 273 الذي إشترط لقبول إسرائيل عضوًا بالأمم تنفيذها قراري الجمعية العامة رقم 181 و194 .

- ولادة نظام عالمي متعدد الأقطاب:

مع تراجع النفوذ الأميركي مقابل توسع وامتداد النفوذ الصيني الروسي على الساحة العالمية بإشارة لقرب ولادة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب عملت وتعمل الإدارة الأميركية على استمرار ضمان هيمنتها على الوطن العربي الكبير من خلال التوسع بإقامة قواعد عسكرية في معظم الدول العربية وإعادة تأهيل "إسرائيل" التي زعزعت دورها وفقدت هيبتها وبان ضعفها وهشاشة كيانها بعد السابع من أكتوبر 2023، بتمكينها للعمل كوكيل عنها من قيادة الوطن العربي الكبير ما أمكن ذلك وهذا ما يفسره هرولة أميركا ومحورها من دول أوروبية وغيرها من حشد وسائل قواها السياسية والاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية لدعم "إسرائيل" ولسان حالها يقول برسالة للمجتمع الدولي "إن هزيمة إسرائيل أو هز صورتها كأداة وظيفية غير مسموح" وتمكينها من المضي بحرب الإبادة والتطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني تحت ذريعة الدفاع عن النفس خلافًا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة بهدف تهجير الشعب الفلسطيني خارج وطنه التاريخي بتقويض لحق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران 1967 والمعترف بها دوليًا وفق قرار الجمعية العامة رقم 19/ 67/ 2012 إلا تمهيدًا لتمكين الكيان الاستعماري العدواني الإسرائيلي بدعم وإنحياز أميركي مطلق الإنتقال لتنفيذ المرحلة اللاحقة من المشروع الاستعماري التوسعي الإسروأميركي التي بدت تطل ملامحه عبر تصريحات أو تسريبات أو تحليلات أميركية وأوروبية وإسرائيلية استباقًا لولادة نظام عالمي متعدد الأقطاب.

- شرق أوسط جديد و ملامح المؤامرة:

لم يبدأ مصطلح شرق أوسط جديد مع حرب الإبادة والتطهير العرقي التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي الاستعماري منذ السابع من أكتوبر وإنما سبقه ذلك شمعون بيريس ووزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس والذي لا يعني سوى:

• إدماج إسرائيل بقلب الوطن العربي ومن ثم الإسلامي.

• وتقسيم الدول العربية الكبيرة إلى دويلات وكيانات على أسس عرقية ومذهبية ودينية وطائفية.

- وفي هذا السياق يمكننا إدراج تصريحات:

▪︎ المرشح للرئاسة الأميركية ترامب والمرشح الديمقراطي لنائب الرئيس تيم ويلز والذي يعني توافق الحزبين الجمهوري والديمقراطي وهنا مكمن الجدية والخطورة بأن مساحة إسرائيل صغيرة بحاجة لتوسيعها.

▪︎ الخارطة التي عرضها نتنياهو أمام الجمعية العامة بدوراتها العادية عام 2023 و2024 وخلوها من أي ذكر للدولة الفلسطينية وللشعب الفلسطيني بتحد صارخ لأعضاء الجمعية العامة وبإستخفاف بميثاقها ومبادئها وبقراراتها وبقرارات مجلس الأمن وبقرارات محكمة العدل الدولية.

▪︎ تصريحات لسفير أميركي سابق حذر أيضًا من مخططات وأهداف إسرائيلية باحتلال أراض من الدول المحيطة بفلسطين والسعودية.

▪︎ قرار الكنيست برفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران وما يعنيه ذلك من تهجير قسري للشعب الفلسطيني خارج وطنه التاريخي.

▪︎ الخارطة التي عرضها مجرم الحرب سموتيرش في باريس والتي تبين مساحة إسرائيل بفلسطين وأجزاء من دول عربية محيطة بفلسطين المحتلة أو بالمحيط الثاني عنها وكذلك التصريحات التي صدرت أو تصدر عنه وعن آخرين من قيادات الكيان الإسرائيلي رموز التطرف والإرهاب بأن المشروع التوسعي الصهيوني يشمل بعد فلسطين الأردن وأجزاء من سوريا ولبنان ومصر والسعودية إلا دليل على جدية وخطورة المخطط الإسرائيلي على الأمن القومي لجميع الدول المحيطة بفلسطين كمرحلة إنتقالية تطال باقي الدول العربية تدريجيًا.

- قمة سداسية لمواجهة التحديات:

لمواجهة المخطط التوسعي الإسرائيلي يستدعي عقد قمة سداسية لجميع قادة الدول العربية المستهدفة بالمخطط الإسروأميركي تتجاوز كافة الخلافات البينية والبدء بمرحلة جديدة بوصلتها حماية الأمن الإقليمي فالخطر الداهم لا يستثني أحدًا بحيث تضم الأردن وفلسطين وسوريا ومصر والسعودية ولبنان:

- لوضع إستراتيجية موحدة سياسية وإقتصادية وعسكرية.

- وبالعمل على تشكيل جبهة دولية عربية وإسلامية وإفريقية ومن دول عدم الإنحياز ومن الدول الصديقة المؤمنة بإعلاء قيم العدالة والمساواة التي تمثل الركن الأساس بتجسيد وترسيخ الأمن والسلم الدوليين.

- إتخاذ إجراءات لضمان تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية دون إزدواجية أو إنتقائية.

- فرض العقوبات المنصوص عليها بميثاق الأمم المتحدة على الكيان الإسرائيلي المصطنع بما فيها تجميد عضوية إسرائيل بالأمم المتحدة لإنتفاء شرط قبولها اساسا ولعدم تنفيذها قرارات مجلس الأمن بإنتهاك صارخ للمادة 25 من الميثاق.

وذلك بهدف التصدي للمخطط الإسرائيلي المدعوم أميركيًا بتوسيع مساحة الكيان الإسرائيلي أي تمكينه بكل الوسائل من احتلال أراض عربية في إنتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة وللشرعة الدولية التي تحظر احتلال دولة أخرى أو تلوح بالتهديد باستعمال القوة وذلك بهدف الدفاع عن أمن واستقرار الإقليم بدوله المستهدف تطبيقه عبر إتباع آليات مباشرة وغير مباشرة.

دعم نضال وصمود الشعب الفلسطيني في وطنه وتمكينه عمليًا من إقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس يشكل الخطوة الرئيسية نحو إجهاض المخطط الإسروأميركي الذي كما يبدوا بدأ مرحلة التنفيذ وما استمرار حرب الإبادة والتطهير العرقي المستمرة دون توقف على الشعب الفلسطيني بكل مكوناته بقطاع غزة والضفة الغربية والعدوان التدميري الهمجي على لبنان إلا الدليل.

إجهاض المؤامرة الإسروأميركية تتطلب أيضًا عدم تمكين "إسرائيل" ومن يدعمها الإنفراد بكل دولة فوحدة الموقف مصدر قوة لا يستهان بها.