يستحق وزير الخارجية الإسباني التقدير لشجاعته وجرأته، فقد أعرب عن رؤية دولته المنسجمة مع مطلب ورؤية دولة فلسطين بخصوص تجسيد إرادة الشرعية الدولية عمليًا، لتنفيذ "حل الدولتين" لإحلال السلام في الشرق الأوسط، فالسيد خوسيه الباريس رأى أن الاعتراف العالمي بدولة فلسطينية مهم، لكنه غير كافٍ، ما يعني ابتداء نشوء وعي دولي مهم  وتحديدًا من أعضاء في الاتحاد الأوروبي بوزن إسبانيا، بأن استقلال دولة فلسطين، وعضويتها الكاملة في الأمم المتحدة يجب ألا يبقى تحت سلطة الفيتو الأميركي في مجلس الأمن الدولي، وأن منظومة الاحتلال الاستعماري الصهيوني يجب إلزامها بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وإخضاعها، فالقانون الدولي، فوق الجميع، ولا يجوز استثناء دولة احتلال وعنصرية، أو إغفال جرائم ساستها وجنرالات جيشها، فالعالم ينزلق تدريجيًا  -بوتيرة متسارعة – نحو حرب شاملة تحرق الأخضر واليابس في الشرق الأوسط وربما تتمدد نيرانها إلى أوروبا ذاتها، أوروبا التي بات الاستراتيجيون في دولة الاحتلال يفكرون بكيفية معاقبة شعوبها بسبب نمو ونضج مواقفهم الإنسانية والسياسية تجاه الشعب الفلسطيني، ومساندته عبر الوسائل الرسمية البرلمانات والحكومات والشعبية عبر الأحزاب والمظاهرات المنظمة في شوارع العواصم، بما فيها عواصم دول لم تعترف بعد بدولة فلسطين، ومنها بريطانيا المسؤولة تاريخيًا عن نكبة الشعب الفلسطيني منذ وعد بلفور والانتداب البريطاني على فلسطين.

ما هو بيان مدريد الصادر أول أمس عن اجتماع ممثلي مجموعة الاتصال الوزارية المشتركة لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي "فلسطين ومصر، والسعودية والأردن وقطر والبحرين وتركيا مع وزراء خارجية وممثلي دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي أيرلندا، والنرويج، وسلوفينيا، وإسبانيا" فهو يستحق الاهتمام والتركيز والبناء عليه لاستبيان اتجاهات ورؤية المجتمع الدولي لما يسمى "اليوم التالي"، فقد جاء "الحل" في بيان مدريد متوافقًا مع رؤية قيادة دولة فلسطين للحل، وكذلك منسجمًا تمامًا مع رؤية القيادة الفلسطينية المنبثقة عن البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وذلك لتأكيده الأسباب التي تحول دون تحقيق الحل الذي على أساسه سيعم السلام في فلسطين التاريخية والطبيعية، وكذلك في الشرق الأوسط، وهي ذات الأسباب التي تأخذها المنظمات الأممية  كالعدل الدولية، والجنائية الدولية كحيثيات لوضع  دولة الاحتلال "إسرائيل" تحت بند دولة احتلال واستيطان وتهجير وعنصرية، وجرائم حرب وضد الإنسانية، وإبادة جماعية. فالأسباب كما وردت في بيان مدريد المتطابقة مع جوهر العمل السياسي الفلسطيني هي: "الاحتلال والإجراءات الأحادية غير القانونية، والمستوطنات، والتهجير القسري، والتطرف، والمآسي والمعاناة الإنسانية والانتهاكات الصارخة للقانون الدولي التي تقوض السلم والأمن الدوليين" في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس كالاستيطان ودعم إرهاب المستوطنين، أما الحل وفق بيان مدريد فإن مرتكزاته لا تختلف عن مرتكزات دولة فلسطين وهي: "إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، الذي بدأ سنة 1967 بما في ذلك القدس الشرقية، وتحقيق واقع تعيش فيه دولتان مستقلتان وذات سيادة، إسرائيل وفلسطين، جنبًا إلى جنب بسلام وأمان، ومندمجتان في المنطقة، على أساس مرجعيات ومعايير تنفيذ حل الدولتين، استنادًا إلى قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وقواعد ومبادئ القانون الدولي، ومبادرة السلام العربية، والاعتراف المتبادل والتعاون الفعّال لتحقيق الاستقرار والازدهار المشترك. لتحقيق سلام عادل ودائم يلبي حقوق الشعب الفلسطيني دون تجزئة، أو فصل منطقة جغرافية فلسطينية عن اخرى، فالحل إما أن يكون شاملاً أو لا يكون، مع تقديم الوضع في قطاع غزة بحكم واقع ذروة الإبادة الدموية، دون إغفال ما يحدث على أرض الواقع في الضفة الغربية ولكن في سياق الحل الشامل، ولهذا نص بيان مدريد على: "وقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة، وإعادة السيطرة الكاملة للسلطة الوطنية الفلسطينية على معبر رفح، وبقية الحدود، وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية المحتلة من غزة".

أي بمعنى تحقيق سيادة دولة فلسطين على أراضيها ومعابرها دون استثناء، وكان مهمًا تركيز المجتمعين في العاصمة مدريد التي شهدت أول مؤتمر للحل السياسي "مؤتمر مدريد الشهير قبل 33 عامًا"  التركيز على: "ضرورة عقد مؤتمر دولي للسلام في أقرب وقت ممكن" وهذا ما كان سيادة الرئيس محمود عباس أبو مازن رئيس دولة فلسطين قد نادى لعقده، وقد تكون الدعوة في البيان: "لجميع أعضاء الأمم المتحدة للانضمام إلى الاجتماع الموسع حول الوضع في غزة وتنفيذ حل الدولتين كمسار لتحقيق السلام العادل والشامل،  في 26 أيلول/سبتمبر الجاري" كأولوية تتطلب: "فتح المعابر، إيصال المساعدات الإنسانية فورًا دون شروط وبكميات كبيرة، ودعم عمل وكالة الأونروا".