- الرئيس سليم الحص في رثاء الرئيس الشهيد الرمز ياسر عرفات

قُتل ولم يمت، تماماً كشعبه العظيم، لكَم قُتل هذا الشعب ولم يَمُت.

قُتل أبو عمّار يوم تقسيم وطنه بقرار من الشرعية الدولية، ويوم أقتُلِع من بيته وشُرِّد في بلاد العرب، ويوم استحال لاجئاً يسعى مع مَن يسعى من أهله وراء مأوى وعَيشٍ آمِن، ويوم سقطت حيفا ويافا وعكّا، ثم ذُبِح وقُطِّعَت أوصاله يوم سقطت القدس في يَد الغُزاة. ولكنّه لم يَمُت.

قُتل، ومعه شعبه، في حرب السويس، العام 1956، ويوم هُزِمَت جُيوش العرب في حرب 1967.

قتل يوم اخرج من لبنان الذي استضافه في الأيام العصيبة والذي بذل من دماء أبنائه وهنائهم من أجل فلسطين بلا حساب، وقتل عندما طالت يد الغدر رفاق دربه الاشاوس  الميامين واحِداً واحِدا.

قهر الموت مرّات ومرّات إذ تعرّض للقنص والقصف والنسف، وإذ كان هدفاً لعمليّات تفجير ومحاولات الاغتيال.

حياة شعبه حافِلة بالأحداث الجِسام، بالصدمات المزلزلة، بالفواجِع والمآسي والكوارث الماحِقَة. سُلِبَت أرضه وشُرِّد من دياره وتُرِك في العراء نهباً للفقر والجُوع والضياع وشتى ألوان الشقاء والشِدّة والعذاب، ولكنه لم يَمُت إذ لم تَخبُ في وجدانه للحظةٍ واحدة جذوة الإيمان بحقِّه في الحياة والأمل في غَدٍ واعِد.

ستفيض روحه إلى باريها ولكن سيبقى ظله وارفا. ما زال ماثلاً أمامنا بصورته، بكوفيته، بقامته، بصموده، بعزيمته، بتصميمه، بإيمانه بعناده.

ياسر عرفات مضى إلى جوار ربّه من دون ان يستسلِم. كان طيلَة حياته ضمير شعبه الحَي وكلمته الحُرّة في تحَدّي الموت، كان مالئ الدُنيا، وشاغِل الناس والدول، فكان جزاؤه نبذا  من اميركا وإسرائيل، وذو القربى، ونعم الجزاء.

هكذا نَحفظ ياسر عرفات حيا خالدا، ونحفظ لَهُ حَيِّزاً في سفر صُنّاع التاريخ. ياسر عرفات لم يسقُط شهيدا، ولكنه كان الشهيد الحَي طِيلَة حياته.