تقع الضفة الغربية في القلب من المشروع الصهيوني وفقًا للرؤية اليهودية التوراتية التي تعتبر الضفة الغربية وفي المقدمة منها القدس جوهر المشروع الصهيوني، "وأرض الآباء والأجداد، التي عاد إليها اليهود لإعادة تأسيس دولتهم"، ومع تشكل الحكومة الإسرائيلية السابعة والثلاثين برئاسة بنيامين نتنياهو أواخر العام 2022 بمكوناتها اليمينية المتطرفة من الحزب الصهيوني الديني بزعامة بتسلئيل سموتريش وحزب "العظمة اليهودية" بزعامة إيتمار بن غفير، تمكنت الصهيونية الدينية القومية من الانتقال من هامش الحياة السياسية في إسرائيل إلى مركزها، وأضحت تسيطر على القرار السياسي والأمني والعسكري في دولة الاحتلال.

منذ اليوم الأول للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس الشرقية في السابع من حزيران من العام 1967 بدأ الاحتلال تنفيذ مخططاته تجاه الضفة الغربية، ففي اليوم الأول تم الإعلان عن فرض القانون العسكري على السكان الفلسطينيين وتشكيل إدارة عسكرية للضفة الغربية تمهيدًا لاستكمال حلقة جديدة في المشروع الصهيوني ترمي إلى ابتلاع الأرض وطرد وتهجير سكانها بكل الوسائل والطرق. وتوالت الإجراءات والقرارات الإسرائيلية بحق الضفة الغربية عبر العقود الستة الماضية، إلا أنها تسارعت في ظل الحكومة الحالية الأكثر يمينية في تاريخ دولة الاحتلال عبر العديد من القرارات والإجراءات التي اتخذتها، ومنها تسليح أكثر من مئة ألف مستوطن، والمصادقة على تشريع بؤر استيطانية في الضفة الغربية، ومصادرة صلاحيات سيادية للسلطة الوطنية الفلسطينية، وفرض عقوبات على مسؤولين فيها، وهدم مزيد من المباني الفلسطينية، وملاحقة الأبنية والأضرار التي تلحق بالمواقع التراثية والمخاطر البيئية في المناطق المصنّفة "ب"، مرورًا بقرار "الكنيست الإسرائيلي" الذي يقضي بالتصدي لقيام دولة فلسطينية، معتبرًا أنها تشكل خطراً وجودياً على "دولة إسرائيل ومواطنيها" وأنها سوف تؤدي إلى إدامة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وزعزعة استقرار المنطقة.

ويأتي التصعيد العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية منذ بضعة أيام ضمن هذه الرؤية والتي ترمي إلى حسم الصراع وفقًا للفرضية الإسرائيلية التي ترى أن نموذج حل الدولتين قد وصل إلى طريق مسدود، وعليه فلا مكان ما بين البحر والنهر لدولتين، وأنه طالما كان هنالك أمل عند الفلسطينيين بأن يقيموا كيانًا وطنيًا لهم، سيستمر هدر الوقت في إدارة الصراع لا حله، لذلك يكمن الحل وفقًا للرؤية الإسرائيلية اليمينية في إفقاد الفلسطينيين أي أمل في إقامة كيان وطني خاص بهم، وذلك من خلال الحسم الاستيطاني، وتشجيع الهجرة، والأهم من ذلك الحسم العسكري.

وتحدد الرؤية الإسرائيلية لحسم الصراع خيارين رئيسيين للتعامل مع الفلسطينيين، الأول: الإبقاء على السكان الفلسطينيين الذين يتخلون عن طموحاتهم الوطنية كأفراد مقيمين في "الدولة اليهودية"، أما الخيار الثاني يتعلق بالتعامل مع من لا يريد التخلي عن تطلعاته الوطنية، فإما التهجير الطوعي، أو التعامل معهم باستخدام القوة المفرطة والحسم العسكري.

إن النظر بعين الحكمة إلى ما يجري خلال الأيام القليلة الماضية في مخيمات ومدن الضفة الغربية يوضح بشكل جلي أن خيار دولة الاحتلال بقيادة حكومة اليمين المتطرف يتمثل في استمرار الحرب في قطاع غزة من جهة، ومن جهة ثانية توسعة هذه الحرب إلى جبهات جديدة تمثل الضفة الغربية ساحتها الرئيسية. إن إسرائيل تعمل على استدراج الفلسطينيين إلى مواجهة تحتكم فيها إلى القوة العسكرية، وهو الخيار الذي يناسبها ويساعدها في تحقيق أهدافها، وفقا لمعادلة تقوم على مواجهة بين جيش مدجج بكل أنواع السلاح وشعب أعزل. وهنا يبرز السؤال الأهم، كيف يمكن المواءمة بين الحفاظ على بقاء شعبنا الفلسطيني صامدًا على أرضه كهدف فلسطيني استراتيجي والتصدي للاحتلال ومخططاته.

ليس من الحكمة أن تستدرج الضفة الغربية إلى معركة خاسرة، ويجب علينا كفلسطينيين أن نفكر مليًا بحيث لا نستجلب مصير غزة المأساوي بسوء تقدير للموقف أو سوء مفاضلة بين أدوات النضال المناسبة للحظة الراهنة إلى الضفة الغربية، لا بد من الموازنة الدقيقة بين العمل السياسي والعمل النضالي، فيما تبقى المزاوجة بين المقاومة الشعبية والنضال السياسي والدبلوماسي هي أدوات النضال الأنجع في ظل الاختلال الكبير في موازين القوى الحالية لصالح دولة الاحتلال وجيشها، وهو ما يبقي على جذوة المقاومة مشتعلة، ويحفظ القضية الفلسطينية حية، ويحافظ على بقاء وصمود شعبنا على أرضه في شطر الوطن في الضفة الغربية، ويجنبه أن يلحق به ما جرى من دمار لشعبنا في الشطر الآخر للوطن في قطاع غزة.

إن سياسة حكومة الاحتلال وجيشها ليس قدرًا على الفلسطينيين، ولكن وجود شعبنا الفلسطيني على أرضه، والمواجهة والتصدي بعيدًا عن المربع الذي يتفوق فيه الخصم، بقدر كبير من الحكمة، رغم صعوبة المرحلة، قادر على أن يفتح لنا بوابة امل لردع الاحتلال وحماية شعبنا الفلسطيني.