نجح ممثلو الحكومة الصينية الصديقة في جمع شمل الفصائل السياسية الفلسطينية في بكين على مدار الأيام الثلاثة الماضية من الأحد 21 إلى الثلاثاء 23 يوليو الحالي، بعد أن تخطت العثرات البسيطة، ونتج عن اللقاء صدور بيان مشترك للفصائل السياسية الأربعة عشر، تم التوقيع عليه من قبل ممثلي الفصائل بحضور وزير خارجية الصين ونغ يي، وهو ما يعكس الأهمية التي أولتها جمهورية الصين في نجاح جهودها الإيجابية في ترميم الجسور بين الفصائل السياسية الفلسطينية، الأمر الذي يفرض على الكل الفلسطيني أن ينحني تقديرًا وإعجابًا بمثابرة القطب الصيني العظيم الذي أولى مسألة الوحدة الوطنية الفلسطينية وترميم الجسور بين الفصائل المختلفة أهمية خاصة.
ومن أبرز ما تضمنه بيان بكين الفلسطيني التأكيد أولاً على الوصول للوحدة الوطنية الشاملة، باعتبار ذلك أحد أهم دروس حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، ومع دخول الشهر العاشر للحرب الجهنمية، وللحاجة الوطنية الماسة للوحدة؛ ثانيًا انضمام حركتي حماس والجهاد لمنظمة التحرير الفلسطينية، والاقرار باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ومرجعية العمل للكل الفلسطيني؛ ثالثًا الالتزام بالعمل من أجل استقلال دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية طبقًا لقرارات الأمم المتحدة، وضمان حق العودة للاجئين طبقا للقرار 194 الدولي؛ رابعًا حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاستعمار الإسرائيلي وإنهائه وفق القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة؛ خامسًا تشكيل حكومة وفاق وطني مؤقتة بتوافق الفصائل الفلسطينية وبقرار من الرئيس بناء على القانون الأساسي الفلسطيني، على أن تبدأ بتوحيد المؤسسات الفلسطينية كافة في أراضي الدولة الفلسطينية؛ سادسًا المباشرة بإعادة إعمار قطاع غزة، بعد وقف حرب الإبادة الجماعية على أبناء الشعب، وإدخال المساعدات الإنسانية بمشتقاتها المختلفة وبكميات كبيرة ومن مختلف المعابر البرية، وبعد انسحاب الجيش الإسرائيلي دون قيد أو شرط من القطاع؛ سابعًا تم التأكيد على تفعيل وانتظام الإطار القيادي المؤقت والموحد للشراكة في صنع القرار السياسي، وفقًا لما تم الاتفاق عليه في وثيقة الوفاق الوطني الموقعة في 4 مايو 2011، حتى يتم تشكيل المجلس الوطني الجديد، وفقًا لقانون الانتخابات المعتمد، ومن أجل تعميق الشراكة السياسية في تحمل المسؤولية الوطنية.

وعلى أهمية ما تقدم، إلا أن الموقعين من ممثلي الفصائل على البيان غاب عن أذهانهم العديد من النقاط، أو اسقطوها عن سابق تصميم وإصرار لترك الباب مواربًا، إن لم يكن مفتوحًا على الغارب للتهرب من استحقاق الوحدة الوطنية، ومن أبرز النقاط، هي:
أولاً عدم إدراج النقطة المتعلقة بإقرار ممثلي الفصائل السياسية بقرارات الشرعية الدولية، الملتزمة بها منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد، وتعاملوا بانتقائية سلبية مع القرارات الأممية، ففي الوقت الذي طالبوا بممارسة حق المقاومة لدولة الاستعمار الإسرائيلية وفق ما كفلته القوانين والقرارات الأممية، أسقطوا الالتزام بالقرارات الأممية ذات الصلة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ ثانيًا الإصرار على ما يسمى الإطار القيادي المؤقت، الذي يبدو جليًا أن هناك فهمًا مختلفًا لهذا الإطار ودوره ومهامه. وطالما أقرت الفصائل بمرجعية منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعيًا للشعب، ومرجعية الكل الفلسطيني، وبموافقة حركتي حماس والجهاد بالانضمام لها، إذاً لماذا الإطار القيادي المؤقت؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ وهل الإصرار بريء، أم له أهداف وغايات غير بريئة؟ ثالثًا لماذا لم تتم الإشارة لدور ومرجعية منظمة التحرير الفلسطينية في الإمساك بملف المفاوضات الجارية الآن لإبرام صفقة تبادل الأسرى، ووقف حرب الإبادة الجماعية؟ أم أن حركة حماس ومن يدور في فلكها يقبلون بالمنظمة في جوانب معينة، ولا يقبلون بها في جوانب أخرى؟ وأليس في هذه الانتقائية السلبية ما يعكس الهروب للأمام من استحقاق المصالحة والوحدة الوطنية؟ رابعًا لماذا لم يتطرق البيان للآليات والجهات المعنية بتنفيذ القرارات؟ وأين الروزنامة الزمنية والمكانية للتواصل والمتابعة لتنفيذ القرارات؟ وكيف سيتم تجسير الهوة بين الحركتين والفصائل المختلفة في نقاط التباين والخلاف الموجودة؟

مما لا شك فيه، أن الاجتماع بحد ذاته في بكين يعتبر خطوة إيجابية، وكسرًا للمواقف السلبية، ومحطة لترميم الجسور البينية بين الفصائل السياسية عمومًا، وحركتي "فتح وحماس" خصوصًا، وضرورة إبقاء خط التواصل واللقاءات الإيجابية بين الحركتين والكل الفلسطيني مفتوح على أفق تجسيد وتكريس الوحدة الوطنية، لأنها مصلحة وغاية وأولوية وطنية.