ترى هل أخطات منظمة التحرير الفلسطينية يومًا، في حضورها السياسي والنضالي الوطني، في مختلف المحافل العربية والإقليمية والدولية، كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني وقائدة لنضاله الوطني التحرري، وحاملة لروايته التاريخية، والحضارية والإنسانية، وداعية للكل الوطني الانضواء تحت رايتها؟    

هل حادت المنظمة عن هذه الصفة، وهذا الدور وهذه السياسة في أي مرحلة من مراحل الكفاح الوطني الفلسطيني، منذ أن كرست استقلالية القرار الوطني الفلسطيني، بعد شتى المعارك الصعبة التي خاضتها، ضد الاحتواء، والمصادرة والتبعية؟. أين هو الخلل في سياسة منظمة التحرير الفلسطينية، حتى يتصدى وبالتمويل الباذخ جماعة "العربي الجديد" لإصلاحه، وبشعارات بالغة العبارات الاستعراضية، حتى بات البعض منا يرددها دون تفحص، ولا تبصر، فلا يرى غايتها التدميرية.

نتحدى أن يسجل أحد عطبًا سياسيًا واحدًا ضد منظمة التحرير الفلسطينية، ولا حتى خللاً في أطرها التنظيمية، وسيرة المنظمة تتحدث عن نفسها وعن تاريخها. ولم تكن يومًا سياستها غير سياسة الدولة، والوطن المعنوي، والكيان السياسي للشعب الفلسطيني، بتطلعاته المشروعة، ولم يكن نهجها غير النهج النضالي، وبخطط أدركت موازين القوى على نحو واقعي، حتى أدركت الزمن متاحًا لمراكمات كمية، لأجل التحولات النوعية لحسم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبمعنى أدركت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، بسياستها، ونهجها، وبوطنيتها المسؤولة، وواقعيتها الحكيمة، أن حسم الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، لن يكون بضربة واحدة، وإنما بالضربات، المتتالية واحدة تلو الأخرى حتى لا يعود بإمكان الاحتلال، تحملها ليرحل بقضه وقضيضه عن أرض دولة فلسطين، بعاصمتها القدس الشرقية. 

في المجلس الوطني التاسع عشر أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية، التي رعت وهندست الانتفاضة الفلسطينية الكبرى، عبر القيادة الوطنية الموحدة، أعلنت وثيقة الاستقلال، كخطوة قانونية، وسياسية، وحضارية، أولى على طريق انجاز الاستقلال بواقعيته الكاملة على ترابه الوطني، وهذا ما جعل الوثيقة مرتكزًا استراتيجيًا، انطلقت منه منظمة التحرير الفلسطينية، بحراك سياسي ودبلوماسي حثيث، في مختلف محافل المجتمع الإقليمي والدولي لتسجل لفلسطين حضورها السياسي الفاعل في هذه المحافل، كمقدمة لحضورها الجغرافي على أرض وطنها في دولتها المستقلة، وقبل اثني عشر عامًا تقدمت منظمة التحرير الفلسطينية، بطلب العضوية للأمم المتحدة، ويومها اعتبرت أدوات التبعية ودعاتها، أن هذا الطلب مجرد قفزة في الهواء. لكن هذه القفزة لم تكن في الواقع، سوى خطوة على أرض صلبة، حيث تحصلت فلسطين على عضويتها بمقعد المراقب، ورفع علمها بين أعلام الدول الأعضاء في هذه المنظمة العالمية، ومنذ ذلك الوقت ومنظمة التحرير الفلسطينية أصبحت تنضم إلى العديد من الهيئات والمؤسسات والمنظمات الدولية، وكان أبرزها طبعًا: محكمة الجنايات الدولية، والمحكمة الدولية لفض النزاعات، ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ومنظمة الشرطة العالمية، والمنظمة الدولية للحماية المدنية والدفاع المدني، وغيرها العشرات من هذه الهيئات والمؤسسات والمنظمات الدولية، إلى جانب مجموعة الـ77 زائد الصين، التي في عام 2019 كانت فلسطين تتسلم رئاستها.

بعيدًا عن أضوية المباهاة الاستعراضية، كانت وما زالت منظمة التحرير الفلسطينية تحقق الإنجازات الضرورية، على طريق الحرية والاستقلال، بسياسة الدولة، ومسؤولياتها وأخلاقياتها الحضارية، وهذا ما جعل، على سبيل المثال لا الحصر، قرار محكمة العدل الدولية ممكنًا. إنه الحراك السياسي، والدبلوماسي النضالي الدؤوب وطوال الوقت، على مدار الساعة تقريبًا لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وبسياسة سيادة الرئيس أبو مازن، التي لم يعد ممكنًا تجاهل حكمتها البليغة، وقد بات الرقم الفلسطيني في معادلة الصراع ليس صعبًا، ومستحيلاً تجاوزه فحسب، بل بات هو رقم الحل العادل الذي لا رقم سواه، وما عاد رقم منظمة التحرير فقط، بل هو اليوم رقم الدولة، التي باتت على أهبة النهوض، دولة حرة مستقلة، على حدود الرابع من حزيران، ومن رفح حتى جنين، بعاصمتها القدس الشرقية، وهذا غيض من فيض منظمة التحرير الفلسطينية. بعض من غيض سيرتها النضالية المثمرة، والمتواصلة، التي لا سبيل لتجاوزها ولا بأي حال من الأحوال.