الصراع مع الاستعمار الإسرائيلي الإجلائي الاحتلالي الاستيطاني النازي، الذي يختلف ويتميز عن أشكال الاستعمار كافة بطابعه ومحتواه التطهيري العرقي للشعب العربي الفلسطيني، واحتلال اليهود الخزر الصهاينة من أثنيات وشعوب العالم المختلفة تجسيدًا لدورهم الوظيفي كمرتزقة في تحقيق أهداف أسيادهم في الغرب الامبريالي في فلسطين والوطن العربي عمومًا، الذين أرادوا من "إقامة وطن لليهود الصهاينة" في فلسطين انجاز أكثر من ملف، الأول التخلص من المسألة اليهودية في بلدانهم، عبر إرضائهم بإقامة "دولة لهم"؛ ثانيًا تحويل اليهود الصهاينة من أداة صراع في بلدانهم، إلى أداة وظيفية خادمة لمصالحهم في العالم العربي؛ ثالثًا اعتماد رواية مزورة وملفقة لتحقيق عملية النفي والتطهير العرقي للشعب الفلسطيني، ووضعوا شعارًا ناظمًا لهم مفاده "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض!". 
سلفًا أنكر اليهود الصهاينة وجود الشعب الفلسطيني في أرض وطنه الأم الممتد عبر حقب التاريخ الطويلة، ومنذ وجدت مدينة أريحا، أقدم مدن التاريخ الإنساني قبل عشرة آلاف سنة، حيث كان الكنعانيون وأسلافهم موجودين. ولكن حتى تستقيم عملية التزوير والتضليل للصهاينة، الذين لا يعرف الغالبية منهم شيئًا عن فلسطين، قبل ترك مجتمعاتهم الأصلانية وأتوا للوطن الفلسطيني تحت تأثير عمليات غسل الدماغ الديني والسياسي، ومقابل الإغراءات المالية، وبعضهم أُرغم على المجيء تحت التهديد والعنف والترهيب من فوبيا العرب والمسلمين، وخاصة العرب من اتباع الديانة اليهودية، الذين نقلوهم ليكونوا أداة وخدم لليهود الخزر في العمل الأسود، ولضرورات الحاجة للديمغرافيا. لا سيما وأن عدد المهاجرين اليهود الصهاينة من أوروبا والولايات المتحدة وروسيا وأوروبا الشرقية كان متواضعًا ومحدودًا عشية الإعلان عن قيام إسرائيل، وبعد قيامها، حتى أن بن غوريون آنذاك كان ضد تهجير اليهود العرب لفلسطين لذات السبب السابق. 

واعتمد قادة الحركة الصهيونية وإسرائيل، التي أقيمت على أنقاض النكبة الكبرى للشعب الفلسطيني في مايو 1948 على انتهاج سياسة الخطوة بخطوة، والقضم التدريجي للأرض والنفي للمواطنين الفلسطينيين في آنٍ لتحقيق هدفهم الاستراتيجي، وفي معادلة متكاملة تسير على خطين متوازيين لتوسيع وتعميق سيطرتهم على أرض فلسطين التاريخية ونفي الشعب. 
ودون التوسع في سرد المسار التاريخي لمراحل تطور المشروع الصهيوني ودولته اللقيطة إسرائيل خلال العقود الماضية من الصراع الفلسطيني الصهيوني، وبالتوقف أمام مصادقة الكنيست فجر الخميس الثامن عشر من يوليو على مشروع قرار يرفض إقامة دولة فلسطينية بين البحر والنهر، وذلك تكريسًا لقرارها السابق في 21 فبراير الماضي، الذي يرفض الاعترافات الدولية "أحادية الجانب" بالدولة الفلسطينية، الذي صوت لصالحها 99 نائبًا من الموالاة والمعارضة الإسرائيلية. 
وينص القرار الجديد الذي حصد 68 صوتًا من أعضاء البرلمان الإسرائيلي، على أن "الكنيست يعارض بشدة إقامة دولة فلسطينية غرب نهر الأردن، ويعتبر أن "إقامة دولة فلسطينية في قلب أرض إسرائيل سيشكل خطرًا وجوديًا على دولة إسرائيل ومواطنيها، وسيؤدي إلى إدامة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وزعزعة استقرار المنطقة".
كما أن القرار الجديد جاء تجسيدًا "لقانون القومية الأساس للدولة اليهودية" المصادق عليه في التاسع عشر من يوليو 2018، ونفت من خلاله السلطة التشريعية الإسرائيلية أي حق تقرير مصير للشعب الفلسطيني بين البحر والنهر، وهو أيضًا امتداد لصفقة القرن المشؤومة، التي دشنها الرئيس السابق للولايات المتحدة، دونالد ترامب، وشرع بتنفيذها في السادس من ديسمبر 2017، الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية. 

ويأتي هذا التسارع في المصادقة على سلسلة من القرارات والقوانين العنصرية المعادية للسلام والتعايش ولقطع الطريق على إقامة الدولة الفلسطينية استنادًا لخيار حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو 1967، وطمس القضية والحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية، وحتى الحق في الحياة على أرض الوطن الفلسطيني. لأن قادة إسرائيل الصهاينة وصلوا لاستنتاج سابق في السابع من أكتوبر 2023، وتعمق في إثره بأن اللحظة التاريخية لنفي الشعب الفلسطيني، ولتحقيق أوسع عملية تطهير عرقي لأبنائه، والآن هي اللحظة الأكثر ملائمة لإبادة الشعب الفلسطيني عبر حرب واسعة وغير مسبوقة بوحشيتها لفرض الأجندة الإسرائيلية، وتبلورت هذه القناعة في ظل حكومة نازية تضم بين صفوفها غلاة اليمين والصهيونية الدينية بقيادة نتنياهو، والتي بدأت في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، وتعمقت بأساليب وأشكال موازية ومتباينة نسبيًا في القدس العاصمة ومحافظات الضفة الفلسطينية عما يدور في محافظات الجنوب. 
لكنها حرب واحدة متعددة الجبهات والأدوات الوحشية لتحقيق الهدف الصهيوني الاستراتيجي، والشعار الناظم له "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض"، ومضى عشرةُ أشهرٍ من حرب الإبادة الجماعية على القطاع والضفة ولم تنجح حكومة الطاغوت الفاشي بزعامة نتنياهو وأقرانه بن غفير وسموتيريش وغيرهم في تحقيق أي من أهدافها، باستثناء هدف الإبادة الجماعية المتدحرجة في قطاع غزة، بيد أنها فشلت في تحقيق هدف التهجير القسري، أو طمس القضية الفلسطينية، بل العكس صحيح، حيث أمست السردية الفلسطينية هي شبه السائدة في أوساط الرأي العام العالمي، وتبوأت الحقوق والأهداف الوطنية مركز الصدارة العالمية في المؤسسات الأممية والمحاكم الدولية وفي أوساط الرأي العام العالمي، وفي الوقت نفسه تراجعت مكانة الرواية الإسرائيلية الصهيونية، وظهرت أكاذيبها، وتكشف وجه إسرائيل كدولة نازية بامتياز، وخارجة على القانون، ودولة فصل عنصري، وهذا ما أكده الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية يوم الجمعة التاسع عشر من يوليو الحالي، وما سبقها من قرارات أممية لصالح القضية الفلسطينية، والتي بمجموعها جبت القرارات الإسرائيلية العنصرية والتطهيرية العرقية كلها، وأكدت على عدم انتفاء الحقوق والمصالح العليا الفلسطينية بالتقادم، فهذه حقوق كرسها التاريخ والموروث الحضاري والدعم الأممي المتعاظم للشعب الفلسطيني. 

وعلى أهمية استخلاص الدروس والعبر من إصدار هذه القرارات العنصرية وحرب الإبادة الجماعية لليوم المئتين وتسعة وثمانين، والعمل على ملاحقة مكانة إسرائيل في الأمم المتحدة، وترتيب شؤون البيت الفلسطيني، وتنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي، وتفعيل دور الهيئات المركزية لمنظمة التحرير، ووقف الحرب فورًا وبشكل دائم، وتأمين دخول المساعدات لأبناء شعبنا في غزة بكل مشتقاتها، وعودة النازحين لمدنهم ومخيماتهم وبيوتهم في الشمال، وانسحاب الجيش الإسرائيلي بشكل فوري وكامل من القطاع ومدن الضفة بما فيها القدس، وتتويج ذلك بالذهاب لمؤتمر سلام عاجل وفق روزنامة زمنية محددة لتكريس استقلال دولة فلسطين المحتلة وعودة اللاجئين لديارهم ومدنهم وفقًا للقرار الأممي 194، وتحقيق حق تقرير المصير. 
لم أشأ التوقف أمام التسرع الإسرائيلي بإصدار قرارها الأخير "عدم الاعتراف بوجود دولة فلسطينية غرب نهر الأردن". لأن هناك عوامل مرتبطة باللحظة الراهنة، وهناك عوامل استراتيجية ذات صلة بجوهر المشروع الصهيوني الاستعماري، وقد عرجت على ذلك آنفًا.