كانت فيتنام أثناء كفاحها ومقاومتها لجيوش الولايات المتحدة الأميركية، وجنوب إفريقيا خلال عقود الكفاح والنضال ضد النظام العنصري المرتبط عضويًا بالدولة الاستعمارية في المملكة المتحدة البريطانية كانتا معيارًا لقياس مدى انتصار الشخص الاعتباري وحتى العادي للحق، وحقوق الشعوب بالحرية والاستقلال، ودفع الهيمنة الاستعمارية الامبريالية عن التحكم بمصائرها، وفي منطقتنا العربية ومحيطها الحضاري في الشرق الأوسط، مُنِحَت حركة التحرر الوطنية الفلسطينية مسمى "رمز حركات التحرر في العالم" كاعتراف من الشعوب الحرة والأحزاب والقوى والمنظمات التقدمية المؤمنة بمبادئ الحرية، وانتصار عملي لحق الشعب الفلسطيني في انتزاع حقوقه، ومشروعية نضاله ضد قاعدة الاستعمار الدولي المتقدمة في قلب الوطن العربي، ومركز منطقة البحر الأبيض المتوسط الحضارية في الشرق الأوسط، أما الآن وبعد استقلال جنوب إفريقيا وانتصار شعبها وقيادتها الوطنية العقلانية الحكيمة، ورمزها العظيم نيلسون مانديلا، وبعد تحرير جنوب فيتنام وتوحيد البلاد منذ حوالي نصف قرن، بقي الانتصار لحق الشعب الفلسطيني، معيارًا لقياس مدى الإيمان بمبادئ الحرية والعدالة، والمساواة في الحقوق الطبيعية الأساسية للشعوب غير القابلة للتصرف، على رأسها حق تقرير المصير، والعيش بسلام وامن واستقرار ونمو في دولة مستقلة ذات سيادة، لذلك عادت الكوفية الفلسطينية لتتألق على رؤوس وأكتاف وحول اعناق الشباب في العالم، وتحديدًا طلبة الجامعات، وكأننا نعيش مشاهد السبعينات، عندما اصبحت كوفية الفدائي الفلسطيني، رمزًا للتحرر، وتعبيرًا عن تبني الرؤى والنظريات التقدمية، ليس السياسية وحسب، بل الاجتماعية والثقافية أيضًا.
لكن عمق ميدان المشهد بدا لنا أدق في تفاصيله ومعانيه، بحضور علم فلسطين الرباعي الألوان، وشعار: "الحرية.. الحرية لفلسطين" ما يعني تطورًا ونموًا ملحوظًا في فهم القوى الحية في الشارع الأميركي والأوروبي، وفي كل الدول التي شهدنا فيها مظاهرات التضامن والتعاطف مع شعبنا الفلسطيني، التي يحق لنا اعتبارها انتصارًا للرواية والرؤية الفلسطينية، وانعكاسًا لفهم عميق للحق الفلسطيني، فعلم فلسطين هو رمز للدولة والكوفية رمز للمناضل، وهنا بيت القصيد، فالمناضل الوطني الفلسطيني ثبت رمزية الكوفية عبر برامج عمل سياسية ودبلوماسية وثقافية، كانت جميعها تصاغ بعقلية وروح وطنية خالصة، منسجمة مع قيم الانسانية، فقيادة حركة التحرر الوطنية الفلسطينية قد ثبتت هذا الانتماء للجذور الانسانية في مبادئها، وحتى في برامج الكفاح والنضال الميدانية، وعبر التواصل، فالمرجعية الوطنية الفلسطينية كانت وحدها كافية للقبول لدى مكونات أمة الإنسان بدون تعقيدات، لما فيها من قيم ومبادئ مشتقة من الارث الحضاري للشعب الفلسطيني، ومن السمات الإنسانية المتميزة للشخصية الوطنية العربية الفلسطينية، واذكر هنا أننا أثناء عملنا مع الفنانة الذكية المبدعة منى السعودي – رحمها الله - رئيسة مركز الفنون التشكيلية التابع لدائرة الثقافة والإعلام في منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت، التي كان يرأسها المناضل عبد الله حوراني – رحمه الله - معارض الفن التشكيلي التي كنا نرسلها لقاعات العرض في دول أوروبية كالسويد والنروج والدنمارك وفرنسا وغيرها، وهي أعمال من مدارس فنية متنوعة لفنانين تشكيليين فلسطينيين، كان صداها وتأثيرها بالغ الأثر على مشاهديها، وبرز ذلك جليًا فيما كانت تكتبه الصحافة وتنشره وسائل الاعلام عن الابداع في شخصية الفلسطيني، ولا ننسى أن معظم الأعمال كانت تحمل سمات الهوية الثقافية للشعب الفلسطيني بما فيها التراثية والتاريخية، النكبة، والحق في الوطن والأرض، والأمل..إلخ
وبذلك أردفنا العمل السياسي لحركة التحرر الفلسطينية، بما تحتاجه العقول والبصائر الناضجة في العالم لمعرفة الحق الفلسطيني من كل وجوهه، ولعلنا في هذه الحظة المصيرية نحتاج إلى أعلى درجات الحرص واليقظة للحفاظ على رمزية العلم والكوفية، وضبط إيقاع العمل الإعلامي والثقافي والخطاب السياسي، حتى لا تبدد الرغبات الفئوية، ما حققه العقل الوطني المبدع خلال أكثر من نصف قرن من عمر الثورة الفلسطينية المعاصرة، ففلسطين يجب أن تبقى معيارًا للتحرر العالمي، حتى انتزاع الحق بالحرية والاستقلال والسيادة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها