تتعدد القراءات التحليلية لما خلفته، وتخلفه أحداث السابع من تشرين أول العام الماضي، وبخاصة اشعال إسرائيل لحربها العدوانية التي لا تزال بعد ثمانية أشهر متواصلة على فلسطين، شمالاً وجنوبًا، ومعظم هذه القراءات تقريبًا، واقعة تحت سطوة عنف اللحظة الراهنة، فتخلف عند بعضها تحليلات ساخنة، خاصة على شاشات الخديعة الغوغائية، التي ما زالت تصور الحرب سجالاً بين طرفين متعادلين تقريبًا، بل إنها تحدث بتفوق قذائف الهاون ورصاص البنادق على طائرات الاحتلال الحربية، وأسلحته التدميرية المنوعة.
وتخلف تلك القراءات عند بعضها الآخر، تحليلات لا ترى في الموقف الوطني الفلسطيني في إطاره الشرعي، ما يستجيب على نحو فاعل لتحديات اللحظة الراهنة بالغة العنف، وهذا ما يخلف فزعًا في هذه التحليلات، وهو في الواقع، فزع مشروع بقدر ما يعبر عن وجع، وخوف على المشروع الوطني التحرري.
اللحظة الراهنة، ونعني طبعا لحظة العدوان الحربي الاسرائيلي التي لا تبدو لها نهاية حتى الآن، هي لحظة مقلقة حقًا، لكن التعامل معها يقتضي التفحص الواقعي لمعطياتها، وما يجري خلالها من حراك سياسي فلسطيني وإسرائيلي، أساسه إقرار طبيعة، وواقع اليوم التالي من الحرب، وإذا كنا نرى الحراك السياسي الاسرائيلي متسارعًا نحو إقرار هذا اليوم احتلاليًا بكل التفاصيل، فإن الحراك السياسي الفلسطيني بليغ في خطواته المتأنية، ليكون اليوم التالي يومًا فلسطينيًا بالكامل، ويظل ذلك ممكنًا، بحكم حساباته الوطنية القائمة على فكرة مراكمة مقومات التغيير، واحدة تلو الأخرى، وقد تحرر هذا الحراك من تشاؤم العقل، بتفاؤل الارادة، وللتفاؤل هذا معطيات عديدة، أبرزها اليوم ما صدر عن محكمتي الجنايات والعدل الدوليتين، والاعترافات الدولية المتتالية بدولة فلسطين، دون توهم أن ذلك كافٍ لمراكمة المزيد من مقومات التغيير، بعيدًا عن الشعبويات المدمرة، والمواقف الانفعالية.
ما يغيب عن حركة "حماس" في كل هذا السياق أن حسابات "المقاومة" لم تعد ذات صلة عملية، في تقرير طبيعة وواقع اليوم التالي من الحرب، شاءت حماس ذلك أم لم تشأ. والحقيقة أن هذا الأمر يتعلق بهذه الحسابات ذاتها، بكونها حسابات حزبية وإقليمية، ذات تطلعات سلطوية، واستحواذية فحسب، ولطالما كانت "حماس" وما زالت تخطئ الدرب الذي يجعل من حساباتها ممكنة، على نحو عصي على التجاهل، ونعني طبعا الدرب الوطني الذي أساسه القرار المستقل، وهذا هو الدرب الذي لا تريد حماس السير فيه، بل إنها ما زالت تدور في دروب رعاتها، وما زالت تعاقر وهم الاستيلاء على منظمة التحرير الفلسطينية، وأحد أبواقها من على شاشات الخديعة الغوغائية نادى بتحرير المنظمة من أهلها. هذا هو الفزع الذي ينبغي أن تخشاه تحليلات الوجع، وأن تراه ما يطيل زمن اللحظة الراهنة، بل ما يجعلها أكثر عنفًا وقلقًا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها