بعيدًا عن التاريخ البعيد، والمقصود منذ أن أخذت فلسطين اسمها كإقليم جغرافي قبل آلاف السنين، فإن من أعادها مرة أخرى إلى الخارطة العالمية الحديثة هي بريطانيا، ولغرض في نفس يعقوب، وهذه الإعادة لفلسطين لم تستمر طويلاً، فقد تم شطبها عن الخريطة من قبل القوى العظمى في نكبة العام 1948، وظهرت مكانها إسرائيل تنفيذًا لوعد بلفور الإنجلو أميركي. وخلال الحرب حاولت الهيئة العربية العليا، التي كانت تمثل قيادة الشعب الفلسطيني، ولو متأخرة إعلان الدولة الفلسطينية، عبر تأسيس حكومة عموم فلسطين، التي اعترفت بها في حينه جامعة الدول العربية وعدد من الدول العربية وربما عدد آخر قليل من الدول الإسلامية.

اختفت فلسطين عن الخريطة، وطمست هوية شعبها، الذي تم تشريده وتشتيته على انحاء الشرق الأوسط والعالم. بقي الوضع كذلك إلى أن انطلقت الثورة الفلسطينية الحديثة عام 1965، وعاد معها الحديث عن فلسطين مجددًا، وازداد هذا الحديث بعد حرب أكتوبر عام 1973، عندما اعترف العرب وهيئة الأمم المتحدة وغالبية دول العالم كله بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعيًا وحيدًا للشعب الفلسطيني، وهو اعتراف بالكيانية الفلسطينية المستقلة. وبعد هذا الاعتراف أقرت هذه الأخيرة برناماج النقاط العشر، الذي ينص على إقامة سلطة وطنية فلسطينية على أي شبر تنسحب منه إسرائيل. وهو ما يعني عمليًا بداية القبول بدولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. وأصبحت الدولة أكثر قربًا مع الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى نهاية ثمانينيات القرن العشرين، وبالتحديد عندما أقر المجلس الوطني مشروع السلام الفسطيني على أساس قرار مجلس الأمن الدولي 242. كما وصدر اعلان الاستقلال وقيام دولة فلسطين، في حينها اعترفت بفلسطين 110 دول، وعمليًا الدول التي كانت تعترف بمنظمة التحرير ممثلاً شرعيًا للشعب الفلسطيني، ويمكن القول أن الغالبية العظمى من الدول الآسيوية والافريقية وعدد من دول أميركا الجنوبية والوسطى، والدول الأوربية الاشتراكية في شرق ووسط أوروبا واليونان ويوغسلافيا ومالطا، والصين والهند، جميعها اعترفت في حينه بالدولة الفلسطينية وهنا يمكن التذكير أن لدولة فلسطين أكثر من 100 سفارة حول العالم الآن.

وعندما تقدمت منظمة التحرير الفلسطينية بطلب العضوية لدولة فسطين الأعوام 2011 و 2012 صوتت في الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة إلى جانب هذا الطلب 138 دولة في العام 2012، مما زاد عمليًا عدد الدول المعترفة بفلسطين، كما دعت في حينه برلمانات في كل من بريطانيا، فرنسا، إسبانيا، ايطاليا، ايرلندا، بلجيك وهولندا وعدد اخر من البرلمانات العالمية حكوماتها للاعتراف بدولة فلسطينية، وكانت السويد من أبرز الدول الغربية التي اعترفت رسميا بفلسطين في تلك المرحلة. وكانت أيرلندا وإسبانيا من الدول المقدر انها ستعترف بالدولة الفلسطينية، وفي التصويت الأخير في الجمعية العامة، الذي جرى قبل أسابيع قليلة، صوتت 143 دولة لمصلحة القرار والذي يعني مرة أخرى أن هذه الدول تعترف عمليًا بالدولة الفلسطينية ومن بينها فرنسا وهولندا وبلجيكا والبرتغال، وهي المرشحة أن تعترف بالدولة رسميا في الأشهر القليلة القادمة.

من الواضح أن الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، وألمانيا لأسبابها التاريخية الخاصة هي على وجه الخصوص من يعطل الاعتراف الدولي الكامل بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران/ يونيو1967، بل أن كلاً من واشنطن ولندن لا تزالان مقتنعتين أن الدولة الفلسطينية ستعني بداية النهاية للمشروع الصهيوني، كما ليس من مصلحة هاتين الدولتين ان يستقر الشرق الأوسط وأن من مصلحتهما أن يبقى استنزاف شعوب المنطقة لكي تبقى الولايات المتحدة هي المتحكم بمجريات الأمور. هذه المواقف ليست جديدة بل هذا الموقف هو ذاته منذ وعد بلفور والذي ساهمت الدولتان في صياغته خلال الحرب العالمية الاولى، وهي لا تزال تتمسك بجوهره الذي لا يرى أهمية لوجود كيان فلسطيني مستقل بين النهر والبحر.

ويمكن تلخيص العقبة التي تقف في وجه أن تصبح دولة فلسطين دولة كاملة العضوية في هيئة الأمم المتحدة هو الفيتو الأميركي، فالغالبية العظمى تعترف بهذه الدولة، بل أن هذه الغالبية تصر في تصويت متتابع أن يوافق مجلس الأمن الدولي على قبول عضوية فلسطين. وربما تجدر الإشارة إلى أنه حتى في مجلس الأمن فقد صوتت مؤخرًا 12 دولة وأن الفيتو الأميركي هو من منع عضوية فلسطين الكاملة.

وهناك ضرورة وجب تأكيدها وهي أن لا نلجأ إلى  فصل مراحل النضال الفلسطيني بعضها عن بعض، أو اعتبار أن التاريخ يبدأ من حدث بعينه، فالشعب الفلسطيني يواجه المشروع الصهيوني منذ أكثر من مائة عام، فهناك أطراف تحاول فصل عقولنا عبر الغاء التاريخ النضالي الفلسطيني وحصره بفصيل أو حدث بعينه، ولعل عملية الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو أكبر مثال أن حلقات النضال الوطني الفلسطيني مترابطة بغض النظر عن طبيعة هذا النضال في كل مرحلة أكان سياسيًا دبلوماسيًا أو اعتمد المقاومة المسلحة.