أخيرًا أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان أول أمس الإثنين 20 مايو الحالي أنه يسعى لإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب، يوآف غالانت بالإضافة ل3 من قيادة حركة حماس الفلسطينية، وهم يحيى السنوار ومحمد الضيف وإسماعيل هنية في حال صادق قضاة المحكمة الجنائية على التوجه ووفق المؤشرات الماثلة للعيان، فإن إمكانية الموافقة على أمر الاعتقال وارد. لا سيما أنه شكل من بداية العام الحالي 2024 لجنة من الخبراء الدوليين مكونة من قضاة دوليين ذات رصيد ومكانة رفيعة في القانون الدولي الإنساني، بالإضافة لعدد من المستشارين الخاصين المساعدين له لدراسة ملفات حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في عموم الوطن الفلسطيني وقطاع غزة تحديدًا، وأكدوا وجود ادلة قاطعة ضد القيادات الإسرائيلية بارتكاب جرائم حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني.
وتعتبر هذه الخطوة ذات أهمية بالغة الدلالة القانونية والسياسية، كونها تطال لأول مرة منذ نشوئها وتأسيسها في مطلع يوليو 2002 قيادات إسرائيلية في سدة الحكم، وهي سابقة هامة في تماهي المحكمة الجنائية مع ولايتها ومهامها في حماية الإنسان الفلسطيني أسوة ببني البشر جميعًا وفقًا لنظام روما الأساسي.
وقال خان في هذا الشأن: سأعمل جهدي حينئذ "بعد موافقة قضاة المحكمة" عن كثب مع مسجل المحكمة باذلاً كل جهدي للقبض على الافراد المذكورة أسماؤهم. وأعول على كل الدول الأطراف في نظام روما الأساسي "123 دولة" في أن يتعاملوا مع هذه الطلبات والقرار القضائي، الذي سيترتب عليها بالجدية نفسها، التي أبدوها في الحالات الأخرى، وأن يوفوا بالتزاماتهم بموجب النظام الأساسي. وأقف على أهبة الاستعداد للعمل مع الدول غير الأطراف في سعينا المشترك نحو تحقيق المساءلة.
ورغم أن التوجه للمحكمة الجنائية الدولية جانب الصواب في المساواة بين الضحية والجلاد بالسعي لإصدار مذكرات اعتقال ضد قيادات فلسطينية. خاصة وأن الشعب العربي الفلسطيني ومنذ ما يزيد على 76 عامًا يدافع عن حقوقه القانونية والسياسية، ويناضل من أجل حقه في الحرية والاستقلال والسيادة على ارض وطنه الأم فلسطين وفقًا للقرارات الدولية وذات الصلة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وملتزم بالشرعية الدولية وقراراتها، بيد أن إصدار مذكرات اعتقال بحق القيادات الإسرائيلية يعتبر مدخلاً لتصويب مسار العدالة الإنسانية بالمعايير النسبية، ويشكل مدخلاً هامًا لتعميق عزلة دولة الابرتهايد والعنصرية الإسرائيلية، وتوسيع عمليات الملاحقة لباقي القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية، الذين ارتكبوا مئات والاف المجازر والمحارق بحق أبناء الشعب الفلسطيني، ودعمًا لكفاحه "الشعب الفلسطيني" التحرري، وتعزيزًا لجهود الديبلوماسية الفلسطينية برفع مكانة فلسطين في الأمم المتحدة لدولة كاملة العضوية اسوة بباقي دول المنظومة الأممية.
غير أن توجه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أثار سخط وغضب القيادات الإسرائيلية من الموالاة والمعارضة، وخاصة نتنياهو، الذي عقد جلسة لمجلس حربه لجمع توقيع أعضاء المجلس على عريضة ضد قرار المدعي العام للمحكمة. وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي ردا على كريم خان بالقول "هذه فضيحة، ولن يوقفونا"، بمعنى انه ومجلس حرب الإبادة الجماعية مصممون على مواصلة الحرب الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني.
كما أن القيادات الأميركية بدءًا من الرئيس بايدن مرورًا باركان إدارته وأعضاء الحزب الجمهوري في المجلسين الشيوخ والنواب أعلنوا رفضهم لتوجه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، ليس هذا فحسب، بل إن أعضاء الكونغرس الجمهوريين بلوروا مشروع قانون لملاحقة كريم خان وقضاة المحكمة الجنائية، لفرض عقوبات ضد شخوصهم، ومنعهم من دخول الولايات المتحدة. وهو ما يكشف للمرة المليون ان الولايات المتحدة الأميركية تناصب القانون الدولي الإنساني العداء، وتلجأ لمعيارها اللا أخلاقي واللا قانوني لاستباحة ميثاق الأمم المتحدة، وتتناقض مع دستورها الأميركي. أضف إلى أن وزير الدفاع البريطاني أعلن رفضه لإعلان المدعي العام، وأكد ان بريطانيا ستواصل دعم إسرائيل بالسلاح.
مع ذلك أعتقد، أن كريم خان لم يكن له الإعلان عن توجهه الهام بإصدار مذكرات اعتقال ضد القيادات الإسرائيلية الا بعد أن اخذ الضوء الأخضر من الإدارة الأميركية ضمنا، لأنها هي من دعم تولي المدعي العام رئاسة المحكمة الجنائية الدولية. ولا أخالني مبالغا إذا ما افترضت، ان الحكومة الإسرائيلية لا تدرك ذلك.
وفي المقابل لاقى توجه كريم خان الترحيب من الغالبية العظمى من دول وأنصار السلام في العالم. لأنهم وجدوا فيه استجابة للصوت العالمي المنادي بوقف حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين للشهر الثامن على التوالي.
ويشكل التوجه الهام للمحكمة الجنائية الدولية فرصة للقيادة الفلسطينية للمتابعة والمراكمة على القرار الذي سيصدر خلال أيام.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها