العلم الفلسطيني يرفرف فوق سارية اليونسكو، الرئيس محمود عباس أبو مازن يرفع العلم الفلسطيني فوق مقر منظمة اليونسكو، بعد تصويت جرى بأغلبية كبيرة جدا، لحصول فلسطين على عضوية كاملة في هذه المنظمة الدولية الكبرى.هل حدث ذلك بسهولة ؟؟؟

هل حدث ذلك من تلقاء نفسه ؟؟؟

و الإجابة معروفة، ليس هناك شيء على هذا المستوى الكبير، الخارق يحدث بسهولة، أو يحدث من تلقاء نفسه بصحوة ضمير من قبل المجتمع السياسي الدولي، خاصة حين نعلم أن شطب فلسطين من خارطة العالم، الخطيئة التاريخية الكبرى، تم بعمل متواصل بقوة رؤوس فكرية وسياسية ودبلوماسية وعسكرية، شاركت فيه قوى عديدة ابتداء من أكبر الدول والإمبراطوريات في العالم إلى أصغر خلايا تنظيمية وأمنية وإرهابية صهيونية !!! بالتالي فإن قيامة فلسطين من جديد، حضورها على الخارطة من جديد، الاعتراف بها عضوا كامل العضوية في مجتمع الدول، وفي العائلة الشرق أوسطية، وداخل المسافة بين النهر والبحر التي كان الأقوياء قد قرروا أن الشعب الفلسطيني زائد عن الحاجة ولا مكان له، إن كل ذلك عمل خارق، وانجاز خارق، يستحق التضحية من أجله، ويستحق التأهل لنكون على قدره، ويستحق أن نفهم ونتفهم بعضنا فلسطينيا لكي نحافظ عليه أعلى من حدقات العيون.

كلنا نعرف الضغوط التي مورست من قبل أقوى الأقوياء، حتى لا يرتفع العلم الفلسطيني فوق اليونسكو، ضغوط اعتبر خلالها الذين قاموا بها أن كل شيء مباحا، المهم ألا يرتفع العلم، لأنهم يدركون أن الاعتراف الأول هو الطريق الحتمي للاعتراف النهائي، وكلما اقتربنا أكثر من الوصول إلى رأس الجبل حيث فلسطين تضيء مثل علامة الله، فسوف نواجه صعوبات أكثر، ربما نواجه ألوانا من الصعوبات لم نرها من قبل رغم أن طريقنا الفلسطيني نحو الاستقلال لم يكن في أية لحظة مفروشا بالورود بل كان دائما مزروعا بالأشواك والألغام وحفر الموت الأسود.

ماذا يقول لنا هذا الاعتراف الأول ؟؟؟

إنه يعيدنا إلى لحظة الوعي الأعمق والأشمل والأصدق، بأن الانجاز الذي هو ملكنا جميعا، والذي يبدأ به دورة حياتنا الوطنية بشكل حقيقي، وهو انبثاق الكيان، يحتاج إلى التوافق، التوافق الإيجابي، التوافق الواعي، الذي نبادر فيه إلى جعل الطريق سالكة وليست مغلقة، حتى لو كانت العقبات مقدسة فإن هدفنا أقدس ألف مرة من هذه العقبات، حتى لو كان التوافق يتطلب في البدايات مشتركات الحد الأدنى، فإن توافق الحد الأدنى أشرف وأصدق وأهم ألف مرة من الاختلاف والتطاحن والانشقاق على عناوين الحد الأقصى، فالمهم هو جعل الطريق سالكة إلى الانجاز، والانجاز هو وحده الذي يتيح لنا أن نكون، وأن نحضر بعد طول غياب، وأن نبدأ بعد طول جمود، وأن نكون شعبا وليس مجرد مجموعات من السكان، وأن نكون وطنا وليس مجرد قضية.

التوافق الإيجابي, معناه أن نثق بأنفسنا وأن لا بد من تكرار الأناشيد القديمة، وألا نغرق في بحيرات وجع الحنين، وأن نقرأ المشهد المتحرك أمامنا بعيون الحاضر الواعي وليس بعيون الكليشيهات السابقة الخطية التي يكررها أصحابها كأنها آيات منزلة من السماء.

التوافق الإيجابي، هو الذي يفسر لنا هذا الجنون الإسرائيلي، إسرائيل كلها من أولها إلى آخرها مصابة بالهلع، ليس من صواريخنا، وليس من كثرة جيوشنا الجرارة، بل من قدرتنا الشجاعة على تفهم بعضنا بكل مسؤولية، وهذا هو التوافق الإيجابي الذي أدعو إليه، بعيون هذا التوافق الإيجابي تبدو المصاعب في حجمها وليس مضخمة أكبر من حجمها آلاف المرات، وتبدو قوة أي طرف من الأطراف الفلسطينية وأفعاله تساهم في تكريس هذا التوافق وليس حافزا له لكي يغرق من جديد في تكرار التجارب الفاشلة.

من منا بالله عليكم لا يعرف الصفات التي يجب توافرها في حكومة الوحدة الوطنية لكي تمر، ويتحرك إلى الأمام، ويجعلنا نعيش تفاصيل حياتنا اليومية تحت عنوان المصالحة والوحدة وليس تحت عنوان التشنج الثأري والانقسام؟.

من منا بالله عليكم لا يحفظ عن ظهر قلب تلك المحاذير المتعلقة بالوضع الأمني في الضفة المتعلقة بالسلاح، وفوضى السلاح أو فوضى الصواريخ في قطاع غزة.... الخ ؟؟؟

في الاجتماع الأخير بين الرئيس أبو مازن والأخ أبو الوليد في الرابع والعشرين من تشرين الاول نوفمبر الماضي، تجلت ومضات ساطعة من هذا التوافق الإيجابي الواعي الشجاع، وهذه هي القدرة على النهوض بالمسؤولية !!! فما أسهل أن يركب كل طرف رأسه، ويغلق على نفسه السياج، وأن يدمر كل شيء على رأس الجميع !!! ما أسهل ذلك !!! وهذا ما يفعله في العادة قادة عابرون، عارضون، لا يرون أبعد من أنوفهم !!! وهؤلاء بالمناسبة يوجد منهم نماذج في ساحتنا الفلسطينية، يصابون بالكآبة كلما اقتربنا منهم ولو خطوة، وكلما نجحنا في فهم وتفهم بعضنا ولو لحظة !!! هؤلاء قد يتمكنون من تعكير المياه الصافية، ومن تحفير الطريق السالكة، ومن شحن النوايا الطيبة بوسوسات الشيطان، ولكن مصلحة الشعب كله، ومصلحة الوطن كله، وميلاد الحلم كله يظل أكبر من هؤلاء مهما توهموا في أنفسهم، فهم في نهاية المطاف ليسوا سوى حالة عابرة سرعان ما تسقط وتتلاشى في زخم القافلة.

ألف تحية للاعتراف الأول، ألف تحية للعلم الفلسطيني يرفرف فوق ناصية اليونسكو، وعلى الطريق معا لمزيد من الانجازات.