برهن الرئيس أبو مازن بكلمته على منصة المنتدى الاقتصادي العالمي على أن لفلسطين رجال دولة قادرين على منح الدولة الفلسطينية الصورة اللائقة بشعب مناضل من أجل الحرية والاستقلال فالحضور السياسي والاقتصادي العالمي الرفيع المستوى كان ينتظر مضمون ومنطق رسالة رئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية  ورئيس دولة فلسطين في هذا المؤتمر في هذه اللحظة المصيرية العاصفة بمآسي ومعاناة حملة الإبادة الدموية التي تشنها منظومة الاحتلال والصهيونية الدينية الاستعمارية على الشعب الفلسطيني. ونعتقد أن العالم المتابع باهتمام لأدق التفاصيل في هذا المنتدى قد تبلغ فحواها عندما وضع رئيس الدولة  الحقائق والوقائع والمواقف والمبادئ والأهداف الوطنية وإستراتيجية السياسة الفلسطينية مباشرة في فضاء ضمائر المسؤولين عن امن واستقرار وسلام هذا العالم وازدهاره اقتصاديًا وتجلى هذا بالبعدين السياسي والأخلاقي لكلمة الرئيس واللغة الصريحة الواضحة والمحددة المقاصد التي تميز بها سيادته عن غيره من رؤساء وملوك وقادة العالم.

أيقظ الرئيس عباس ذاكرة العالم وأشار إلى أسباب مآسي ومعاناة الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والقدس وفي كل مكان من فلسطين التاريخية والطبيعية وأشار بدبلوماسيته الصريحة  المعهودة إلى المسؤولين عن نكبة الشعب الفلسطيني الأولى والثانية أيضًا والثالثة أيضًا بقوله: "عندما نتحدث عن غزة لا بد لنا أن نعود 75 سنة إلى الوراء إلى الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية الذي ما زال الى يومنا هذا دون أي تحرك أو أي تغيير، فالشعب الفلسطيني يعاني من هذا الاحتلال والعالم يتفرج!.

ورغم الجرائم والمجازر الإسرائيلية فإن حركة التحرر الوطنية الفلسطينية قد نظمت ضوابط أخلاقية رافضة ومانعة  "للاعتداء على المدنيين أيًا كانت توجهاتهم وانتماءاتهم" كما قالها سيادة الرئيس حرفيًا. ونعتقد أن الرئيس عباس قد شرح المقصود – غير منقوص - من مصطلح ( المدنيين ) بقوله: "طالبنا بوقف العدوان على شعبنا وإمداد السكان في كل قطاع غزة بالمواد الإنسانية". وأسقط مبررات حكومة منظومة الاحتلال بقوله :" لقد استغلت إسرائيل السابع من أكتوبر، وذهبت لتعتدي على أهل غزة بحجة الانتقام من حماس ولكنها في الواقع  تقتل المدنيين وتنتقم من الشعب الفلسطيني!.

حمًل الرئيس أبو مازن ( العالم المتفرج ) مسؤولية تكرار مآسي 1948 و1967 ومن نكبة جديدة افظع من سابقاتها اعتبرها "أكبر كارثة في تاريخ الشعب الفلسطيني" ستحصل إذا اجتاح الجيش الإسرائيلي رفح حيث تَجَمًعَ أكثر من مليوني نازح خلال الأشهر السبعة الماضية ووضع النقاط على الحروف ليعرف القاصي والداني إننا نعرف المسؤول الأول عن نكباتنا بقوله: "إن إسرائيل تحتاج لمن يأمرها، إلى من يتحدث معها بقوة، لإيقاف هذه الجريمة وبأن هذا العمل غير جائز والجهة الوحيدة القادرة في العالم - التي نحملها المسؤولية - هي الولايات المتحدة الأميركية " ..لكن الرئيس لم يكتف بالتشخيص وحسب بل قدم العلاج الأمثل ليس لفلسطين وحسب بل للعالم ومركزه الحيوي الشرق الأوسط بقوله: "لا بد في النهاية من حل سياسي يجمع قطاع غزة والضفة الغربية والقدس في دولة فلسطينية مستقلة من خلال مؤتمر دولي" وعاد الرئيس عباس ليختم من ذات النقطة التي ابتدأ منها مطالبًا "العالم المتفرج" المؤثر فعلاً بانسجام سياساته وقراراته والكف عن رؤية (الحق الفلسطيني) بعين إسرائيل وأن تبلغ الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا المستوى المقبول من العدالة كحد أدنى والاعتراف بدولة فلسطين أسوة باعترافها بإسرائيل  حيث ذكًر ممثلي هذه الدول الحاضرين في المنتدى " بأن الدولتين نشأتا بقرار أممي واحد 181 سنة 947". 

تحدث الرئيس عباس في المنتدى الاقتصادي العالمي وعكس عقلية المناضل مفكر والباحث القائد المبدع من أجل إعلاء مصالح الشعب وتحقيق أهدافه الوطنية تحدث بمنطق رئيس دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة بعد نيل الاستقلال والعضوية الكاملة في الأمم المتحدة. دولة تحترم القانون الدولي وتفي بالالتزامات المترتبة على كل دولة عضو تعيش بسلام مع جيرانها وإقليمها ومع دول العالم  تحدث عن الأمن للجميع في سياق حل الدولتين  والسلام العادل والشامل تحدث بصراحة وصدق لأنه معنى أولاً وأخيرًا بأمن الشعب الفلسطيني ومستقبله وببقائه الحضاري على أرض وطنه التاريخي والطبيعي فلسطين.