يا جمهور الصمت الصادق، ويا زنادقة الفجر، هل أتاكم حديث عاشقة بنفسجية لا تبيع مواويلها للغزاة؟ تلك التي كانت تسمى بنت الجبل وسيدته، أميرة الليل وعروس الشمس، مهد العشق وخباياه كاتمة أسرار المعمورة، سيدة البعث الأول لرسالة الإيمان بالإنسان، المنسجمة مع كينونتها بالبحر وأمواجه، الصارخة الشاكية، حيث الصبر والصخب والهدوء، ومقارعة الذات بالذات، والحجة بمنطق العيش، هناك حيث التلاعب بالمصائر، كانت الجريمة شاهدة على الذبح الأخير للشاة المقاومة لحد السيف المُلتمع بقيظ البيداء.

ونحن هنا القاعدون على أرصفة الانتظار للنهاية الحتمية للمعادلة الإنسانية الساقطة في كل أروقة الحقيقة، إذن يا جمهور الاستكانة لابد من الصراخ الآن، ولابد من العويل، ولابد من محاولة رسم لوحة الواقع التي نحيا، ولابد من مواجهة الحقيقة بمواجهة الذات، ولابد من أن نعي أن ثمة انكسار بانفسنا قد حدث، وأن في النقس الكثير من التناقض وثمة ضجيج مشاغب يغزو الوجدان. فما بين قتل الفقراء بحواري غزة وتشويه ابتسامة طفل يحاول أن يعبث بسنين عمره الشقي، وما بين النوم في بحر التنظيرات بشطر الوطن المسلوب (الضفة الغربية) يكمن تمزق الذات والهوية، التي لطالما اعتبرناها واحدة موحدة. لنا أحلامنا وصراخنا وآمالنا التي كنا نعتقد أنها ممزوجة بتلك المعاناة من صلف الاحتلال وآلة التدمير والقتل. إلا أن المشهد هذه المرة مختلف، ويأتي اختلافه باختلاف وقائع الوطن خلال العدوان على غزة، وكأن مجريات الفعل العدواني على غزة قد تعاملت معه جماهير الضفة الغربية كما تتعامل معه جماهير أي عاصمة عربية أو أوروبية بالمساندة وأعتقد أن هذا ما اذهل الكل، بل أنه قد شكل صدمة لنا بالأساس فمن غير المعقول أن تتظاهر رام الله بشكل سلمي من خلال مسيرات الشموع وتسير تظاهرات الاطفال وانجاز اعمال الاغاثة. فهذا غير منوط بجماهير الأرض المحتلة، ومن غير المعقول أن تكون المهرجانات الخطابية سيدة الموقف هنا، أعتقد أن ثمة هزيمة قد لحقت بنا هنا، هزيمة صارخة أمام الدم وازهاق الأوراح، ثمة خجلاً يتبلور الأن بذواتنا من مواجهة اللحظة، التحدي يتسلل إلى ثنايانا، والسؤال يتبلور ويتضح اكثر تحت المجهر. فما العمل يا سادة القول البليغ في ظل اختطاف جماهيرنا واقناعها بإمكانية رغد العيش تحت جنح التسليم بواقع الأمر والإستسلام لحيثيات معادلة العقلنة والتعقل، أعلم وأعرف أننا نعيش لحظة تاريخية فيها الكثير من مشاهد التناقض، حيث أنجز الانقسام انجازاته وفعل مفاعليه، فقد أصبح للنضال وجهة نظر أخرى، وللكفاح أيضًا تعريف مختلف عن ذاك المرتبط بتاريخ المسيرة التحررية، وصرنا مختلفين حتى على تعريف فعل المقاومة وأحقيتها برد العدوان، ولأول مرة صرنا نراقب المشهد وكأننا نعيش بغير فلسطين المحتلة، وكأننا بواحة رام الله المحررة نحيا بكنف الأمن والأمان وتحقيق أهدافنا على الأقل الإنسانية، والكل يعلم ويعرف أن الحد الأدنى من ضرورات الحياة الانسانية غير متوافق أو متوافر وتلك المسماه حياة في المدن المحتلة بالضفة الغربية. 

هو الصمت من جديد يغزونا وكأن عدواه قد أصابنا بمقتل واصبحنا نلوذ بالفرار حتى من انفسنا حينما يغزونا الخجل، ولا مبرر لنا مهما حاولنا التفسير، وبصرف النظر عن القمع او ما يسمى بالمصلحة الوطنية العليا. 

هو الصمت من جديد يغزونا وكأن عدواه قد أصابنا بمقتل وأصبحنا نلوذ بالفرار حتى من أنفسنا حينما يغزونا الخجل، ولا مبرر لنا مهما حاولنا التفسير، وبصرف النظر عن القمع او ما يسمى بالمصلحة الوطنية العليا.

نصرخ من وجع اللحظة وكيف تحولنا إلى أداة مهجنة ومدجنة كما يُراد لنا أن نكون نستقبل أنباء القتل ولربما نشفق على أنفسنا من تلك المشاهد الأتية إلينا عبر الأثير، وهو السؤال الذي يقض مضاجعنا ليل نهار، هل نحن بالفعل بمستوى الحدث؟ أم هو العجز؟ أم صار لنا تعريفات ومفاهيم مختلفة؟ وهنا لا استثني أحدًا، جماهير وقادة ونخب ثقافية وحتى ممن يمتشقون اليوم بنادق الكفاح بالضفة الغربية، صرخة مدوية تكاد تهز أركان كل فلسطين المحتلة اليوم،  أين نحن من كل هذا؟ أين انتم من كل هذا، بل دعوني أقول أين حماس الضفة الغربية؟ أين أدبيات اليسار واقتناص اللحظة الجماهيرية وتثوير الفعل وتطويره؟ أين تراكمات التاريخ والبناء عليها؟ أين حركة فتح بكل تراثها مما كان يجري؟ لا يكفي القول أن وقائع الضفة الغربية مختلفة اليوم عن السابق ولا يكفي القول ان الحصار وتقطيع الأوصال قد حال دون أن نأخذ مواقعنا في ملحمة الدم الأسطورية. فإذا كان ثمة اختلاف فيما مضى حول تفسير فعل الانقسام فقد أصبح الانقسام واضح المعالم اليوم في هذا الوطن. لأول مرة لا تلتحم الضفة الغربية مع غزة ولأول مرة يصبح الميدان متشرذم ومشتت وغير متوافق. لأول معركة تكون المواجهة هكذا وأعذر لنفسي وسأسمح لذاتي بأن أواجه الذات بالحقيقة المرة. فثمة هزيمة هنا تتضح معالمها أيها السادة الكرام بكل الأماكن وعلى مختلف المستويات، هزيمة تكريس انقسامنا وثقافة المساندة كانت فارغة أيضًا من مضامينها ومن معانيها ومن الحد الأدنى من الفعل وردة الفعل.

يا سادتي في كل مكان وفي شوارع وطن الآمان بالضفة الغربية الممزقة أوصالها، لاشك أن صراخ فقراء غزة قد بات يزعجكم وأنتم تنعمون بالعيش في جنان روابيها هل لكم أن تسمعوا هذا البيان، فللفقراء فقط حق دخول جهنم، فجهنم الفقر لهم ولاشريك لأحد فيها سواهم، ولا جنة الا جنانهم بأتون الفقر والحرمان، وللفقر قصص وحكايات مع ابطال الحواري المتمرغين بتراب الأرض، فها هو المشهد يبدو أكثر اتساعًا لفقراء غزة ومن لا يعرف، فغزة هي حاضنة الفقر الأوسع والأشهى والأدفأ. 

وأخيرًا سأقول، لا أعلم على وجه الدقة هل تجاوزنا مرحلة الوحدة الوطنية إلى مرحلة الفرز الوطني؟

من هو مع الشعب الفلسطيني واهدافه المتمثلة بالتحرر والاستقلال ومن هو مع التماهي والتعايش والخضوع للاحتلال، هل وصلنا إلى هذه المرحلة؟ لا أعلم.