حرب المصادرة والاستيطان الاستعماري والتهويد الإسرائيلية لم تتوقف في الأرض الفلسطينية عمومًا والقدس العاصمة الأبدية خصوصا واحيائها المسيحية والإسلامية بهدف السيطرة الكاملة على زهرة المدائن من خلال ما تقدم، وبعصا الإرهاب الغليظة والتطهير العرقي، وتزوير عقود ملكية أراض، أو من خلال سماسرة وعملاء يقومون ببيع أراض خلسة، وفي عتمة الليل، وعبر جزرة المال والامتيازات لضعاف النفوس المتخاذلين والمستثمرين من حملة الجنسيتين الإسرائيلية واي جنسية اخرى، وبالأساليب المعروفة واللا معروفة.

وكلما اكتشف الفلسطينيون جريمة تهويد أو ادعاء من قبل الشركات والجمعيات الاستيطانية يعملون على استعادتها عبر المحاكم الاسرائيلية، ويؤكدون عدم قانونية وشرعية عمليات البيع والشراء بتقديم الوثائق الرسمية، ولا يستسلمون لمشيئة الأمر الواقع، ويتابعون دون كلل أو ملل لسنوات طوال حتى يستعيدوا أملاكهم، ويحافظوا على هويتها الفلسطينية العربية، ويتحدوا بلطجة القوة الإسرائيلية الاستعمارية بإردتهم وعزيمتهم التي لا تلين إلا للحق الوطني.

ومن بين الأحياء الأربعة الأساسية في القدس العاصمة الفلسطينية، التي تتعرض للتهويد والمصادرة الحي الأرمني الواقع في الجنوب الغربي من المدينة، ويقع على أعلى تلة فيها، ويتوسط باب الخليل وباب النبي داود من أبواب المدينة الثمانية، حيث اكتشفت بطريركية الأرمن في العام 2021 إبرام اتفاق بينها من خلال مسؤول العقارات فيها، باريت يرتتزيان، المخول بالتوقيع عن البطريرك مانوجيان وشركة "زانا غاردينز" المحدودة، التي يقف رجل الاعمال الأسترالي داني روثمان حامل الجنسية الإسرائيلية، وينص الاتفاق على بناء فندق فخم على جزء من الأرض عنوان الصفقة. 

ونفى البطريرك أن يكون على علم بالصفقة، واتهم مسؤول العقارات بعقد الصفقة، الذي تم تجريده من كهنوته. وأثر ذلك أرسل البطريرك الأرمني مانوجيان رسالة إلى محامي شركة "زانا غاردينز" في 26 أكتوبر 2023 لابلاغها رسميًا بإلغاء الاتفاقية. لا سيما وأن الدستور الداخلي للبطريركية ينص صراحة، على البطريرك قبل أن يعقد صفقة عقارية، أن يستشير ويحصل على موافقة أكثر من 25 أسقفًا، "لكن الأساقفة كتبوا في 21 أكتوبر أن اغلبهم لا يعرفون عن الصفقة" بمعنى آخر أن بعضهم يعلم بها، ولم يبلغوا عنها!؟

كما أن رسالة البطريرك لمحامي شركة "زانا غاردينز" تأخرت كثيرًا، وهذا الامر غير مفهوم، ولا يوجد ما يبرره، مع ذلك يقول محامي حي الأرمن، دانيال سيدمان "هناك اتفاقية موقعة بين البطريرك وبعض المطورين الإسرائيليين، الظروف مشبوهة وشرعية هذا الاتفاق موضع شك كبير". مشيرًا إلى أن سكان الحي لم يستشاروا في الصفقة الخطيرة. ويضيف: "هذه ليست صفقة عقارية واضحة، وأظن بشدة أن المستوطنين في القدس الشرقية يقفون وراءها، وهناك بعض الأدلة بهذا الصدد".

ويشعر الأرمن بأن هذا الاتفاق يفقدهم 25% من مساحة أرض تعود للكنيسة الأرمنية تم تأجيرها بموجب اتفاق لمدة 99 عامًا، وتعادل هذه المساحة 11 الفا و500 متر مربع، وتتضمن موقف سيارات وقاعة ندوات، إضافة لمبنى قديم فيه 5 مساكن ومطعم ومتاجر، بحسب حركة "انقذوا الحي الأرمني"، التي تأسست في شهر يوليو.

ويقول التاجر كيغام باليان: "نخوض معركة سلمية ولسنا خائفين"، وتابع "لقد كنا هنا منذ 700 عام، وهذا جزء من هويتنا"، وفي اطار الدفاع عن الأرض نصب الشبان الأرمن شجرة عيد الميلاد في الأرض عنوان الصفقة، ليؤكدوا ملكية الفلسطينيين المسيحيين للأرض في مواجهة الصفقة المشبوهة، كونهم يخشون أن تقضي على الحي، وفق تقرير "فرانس برس" في 30 ديسمبر 2023. كما عبر رؤساء الكنائس في العاصمة القدس في بيان صادر في نوفمبر 2023 عن قلقهم "العميق مما يجري في الحي الأرمني" بعد الإعلان عن الصفقة. وقالوا أن البطريركية الأرمنية تتعرض "لأكبر تهديد وجودي في تاريخها، ويمتد هذا التهديد الوجودي الإقليمي بشكل كامل إلى جميع الطوائف المسيحية في القدس".

ومع ذلك، لا تتوانى الجمعيات والمنظمات الاستيطانية الصهيونية عن مواصلة عمليات التهويد والمصادرة، التي تتفاقم وتتعاظم في زمن حرب الإبادة على أبناء الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة، التي مضى عليها 104 أيام، وعلى الكل الفلسطيني، التي قرعت جرس الإنذار للمرة المليون للدفاع عن الأرض الفلسطينية، والتصدي لغلاة الاستيطان الاستعماري، الذين يعملون بلا كلل على إسقاط وتصفية خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وطرد الكل الفلسطيني مسيحيين ومسلمين من ارض وطنهم الأم فلسطين لتحقيق مشروعهم الكولونيالي في بناء دولة إسرائيل الكاملة على أرض فلسطين التاريخية. 

الأمر الذي يتطلب من الشعب الفلسطيني بكل مكوناته وقواه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد العمل لوقف عمليات التهويد والمصادرة والاستيطان الإسرائيلية عبر الملاحقة القانونية والكفاح الشعبي وبالتوجه للمنظمات الأممية، وخوض معركة الدفاع عن الأرض دون الانتظار في مختلف المحافظات والمدن والقرى. لأن الحرب الإسرائيلية الأميركية تستهدف الكل الفلسطيني دونما استثناء.