تواجه حركة التحرر الوطنية الفلسطينية "فتح"، لحظة تاريخية، مرتبطة أولاً وأخيرًا بمصير الشعب الفلسطيني، ومستقبل وجوده على أرضه، ومصير مشروعه الوطني، ونعتقد أن المناضل الخبير في هذه الحركة القادرة على الفعل بدافع الولاء والانتماء للوطن، قد اختار العمل في الدائرة الصريحة، بكل ما فيها من تعقيدات، وما تتطلبه من حكمة وتعقل وصبر في العمل المعزز باليقين والإيمان، ولم يلجأ للدائرة المريحة، التي قد ترفع منسوب الشعبوية، المختلفة جوهريًا عن الشعبية،  ذلك أن البعض يدسون جملة "تراجع شعبية" حركة "فتح" كالسم في عسل تفوهاتهم، ونواياهم المكتوبة، ونتحداهم أن يقدموا لنا معاييرهم العلمية لقياس (الشعبية)، فمكانة حركة "فتح" في مسيرة الكفاح والنضال الوطني منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة في الفاتح من يناير عام 1965 وحتى هذه اللحظة، تقاس بإنجازاتها الوطنية، والمناضل في حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" يرى الحركة وأطرها وبرنامجها وإمكانياتها على أنها ملكية عامة للشعب الفلسطيني، وأن أي انجاز على درب الحرية والاستقلال والتحرر والبناء، عائد بالفائدة على الشعب الفلسطيني، ولا فخر للمناضل الوطني في الحركة سوى أنه أوفى قسم الاخلاص لفلسطين عمليًا، وأبدع في كل مسار يرى نفسه قادرًا على بذل ما يستطيع من اجل تحريرها،  فالشاعر والمفكر والأديب، والطبيب والمهندس، والباحث والمعلم كانوا نواة الخلية الأولى للثورة، ومعهم العامل والحرفي وصاحب رأس المال، وما كان لجماهير الشعب الفلسطيني وجماهير الأمة العربية، أن تشكل عمقًا استراتيجيًا لهذه الحركة منذ انطلاقتها وحتى اليوم، إلا لأنها قدمت ورفعت مصالح الشعب الفلسطيني العليا فوق كل اعتبار، ولأنها ضحت من أجل انتزاع استقلالية القرار الوطني الفلسطيني، بالتوازي مع النضال والكفاح لانتزاع حق الشعب الفلسطيني من الحلف الاستعماري الصهيوني، ولأن منهجها السياسي عقلاني، واقعي، مستمد من فن وعلم تحقيق الممكن، وتحويله إلى انجازات مادية ملموسة في سياق المبادئ والأهداف  والثوابت الوطنية، فالانجازات الكبرى، بأقل التضحيات هي معيار الشعبية لدى مناضلي الحركة وقيادتها، فحركات التحرر الوطنية تجسد المعنى النقي والطاهر للشعبية بحماية مكتسبات الشعب، وتبدل أساليبها، وتختا الأنجع منها، بما يتناسب مع الوقائع والظروف على الأرض، وكذلك واقع المحيط في الدائرتين العربية والدولية، فالوطن هو الأعلى دائما في فكر حركة التحرر الوطنية، أي المواطن الإنسان باعتباره صورة الحياة في الوطن، والشعب هو الضلع الأكبر في مثلث الوطن، فالتضحية لا تعني فرط وتفكيك وكسر الزوايا الرابطة بين أضلع الوطن: الأرض، والشعب، والنظام والقانون، وإنما تمتينها، وتعزيزها، وتقديمها في الوقت والمكان المناسبين، لمنع أي اختراق أو أي مؤامرة تستهدف ركنًا من أركانها، أما الوسائل الكفاحية النضالية فهي متبدلة ومتطورة ومستحدثة وابداعية، لتمكن الشعب من الحياة والتجذر والنمو  والتوسع والانتشار في أرض وطنه، ولو كانت الوسائل التقليدية ( المسلحة ) مقدسة لما انتصر شعب جنوب إفريقيا الذي اختار منهج المقاومة الشعبية السلمية بعد عقود من الكفاح العسكري، فلكل واقع استعماري احتلالي حيثياته، وأبعاده، ولكل شعب قدراته وطاقاته، والأهم جذوره الضامنة لاستمرار وجوده.

 
المناضل في حركة التحرير الوطني الفلسطيني لا يغامر ولا يقامر بمصير الشعب، ولا يتخذ أرقام الضحايا الأبرياء معيارًا  لشعبية حركته الوطنية، ولا يفكر ولا يعمل على صنع سلالم من عظام الشهداء ليصعد عليها الى سدة الحكم، ولا يخطط أو يعمد لإدخال الجماهير في متاهات حروب ومعارك دموية فئوية خاصة تحرق الأخضر واليابس، ولا يستثمر بدماء الأطفال والنساء والدمار  لصالح أجندات خارجية اقليمية ودولية! ولا يستعرض سلاحه، وفخر حركة فتح أنها لم ولن تنزلق إلى حالة الاحتماء وراء ظهر الشعب، والمناضل القائد الوطني في الحركة يعي ويدرك فطنة وحدس الشعب، ويعلم الفارق الهائل بين من يزجه في معارك دموية خاصة لم يقررها الشعب، وبين من خاض معارك ميدانية أحدثت تحولاً نوعيًا وتاريخيًا في مسار الكفاح الوطني  انطلاقًا من معركة الكرامة  1968 مرورًا  بصمود بيروت 1982، حتى اعتماد أسلوب المقاومة الشعبية السلمية، المتوازي مع النضال القانوني في ميادين الشرعية الدولية، فالمبادئ هي المقدسة في عقيدة المناضل في حركة "فتح"، وقيم وسلوكيات العمل بصبر وثبات من أجل ضمان حياة أجيال الشعب القادمة على أرض وطنها التاريخي والطبيعي فلسطين .. أما الوسائل فهي خاضعة لقانون الوقائع والظروف وميادين النضال، وتتناسب مع الانجازات الوطنية وتعزيزها، وتطويرها وتنميتها، فللشعب ذاكرته الموثوق بنقائها، وبعدالة حكمه التاريخي.