تحل ذكرى الانتفاضة الكبرى ال36 يعد مرور 64 يومًا من حرب الإبادة الأميركية الإسرائيلية على الشعب العربي الفلسطيني في الوطن عمومًا وقطاع غزة خصوصا، والتي استمرت من 1987 الى 1993 مع تدشين اتفاقية أوسلو البائسة في 13 أيلول / سبتمبر 1993 في البيت الأبيض الأميركي، ولها ما لها، وعليها ما عليها من مآخذ وخطايا.


جاءت الانتفاضة الشعبية العظيمة، او الثورة في الثورة لتعكس إرادة ووحدة الشعب، كل الشعب بقواه الوطنية وطبقاته الاجتماعية وقطاعاته المختلفة، حيث اشعلت جريمة صدم شاحنة إسرائيلية لاربعة عمال فلسطينيين عند حاجز بيت حانون / ايرز اودت بحياتهم شرارة السهل والجبل في يوم الثامن من كانون اول / ديسمبر 1987، وعلى إثر ذلك هبت الحناجر الصادحة بالحرية والاستقلال والعودة وتقرير المصير من مخيم الثورة، مخيم جباليا، الذي يتعرض الان اسوة بكل المخيمات والمدن والقرى الفلسطينية في محافظات الجنوب لحرب إبادة غير مسبوقة منذ بدأ الصراع العربي الصهيوني قبل قرن ويزيد، وساهم استشهاد المناضل حاتم السيسي في التاسع من الشهر ذاته في تفجير ثورة مجيدة في ارجاء الوطن الفلسطيني من القدس العاصمة الأبدية مرورا بمدن وقرى ومخيمات الضفة الفلسطينية وصولا للجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة داخل إسرائيل، الذين سقط منهم 13 شهيدا من سخنين وعرابة البطوف ودير حنا.


وإذا توقفنا في إجراء مقارنة بين حرب الإبادة الصهيو أميركية الجارية الآن على محافظات الجنوب بشكل خاص، سنجد فروق واسعة وكبيرة بين الانتفاضة والحرب الدامية الراهنة، ومنها: أولا الانتفاضة الكبرى كانت ثورة الشعب كله بمختلف تلاوينه؛ ثانيا حرب الإبادة كانت قرارا فرديا لفصيل بعينه، دون أي تنسيق او ترتيب مع أي من فصائل العمل السياسي الا مع حركة الجهاد الإسلامي وباقي ما يسمى محور المقاومة، الذي لم يعد موجودا؛ ثالثا الثورة في الثورة انتهجت خيار الكفاح الشعبي السلمي، في حين اعتمدت حرب ما يسمى "طوفان الأقصى" الكفاح المسلح؛ رابعا اعتمدت الانتفاضة التخطيط الجمعي تحت راية القيادة الوطنية الموحدة، في حين لجأت قيادة حركة حماس لفرض خيارها على الشعب والقوى السياسية دون اعداد وتخطيط وتنظيم مشترك؛ خامسا سقط في الانتفاضة الكبرى 1087 شهيدا، وتم اعدام 160 عميلا بالمجمل لم يتجاوز عدد الذين قتلوا 1300 مواطن، وجرح في الانتفاضة 90 الفا خلال السنوات السبع، في حين سقط خلال حرب الأرض المحروقة او "السيوف الحديدية" الإسرائيلية حتى الان قرابة الثامنية عشر الفا من الشهداء، وما يتجاوز ال46 الفا من الجرحى، وهناك قرابة الثماني الاف مفقود، والاف من المعتقلين خلال ال64 يوما، والحبل على الجرار؛ سادسا لم يتم تدمير وحدات سكنية الا عدد محدود تخص بعض المناضلين في الانتفاضة، في حين تم تدمير ما يزيد على 305 الاف وحدة سكنية في القطاع بما يعادل 61% من مجمل الوحدات السكنية فيه، وحسب جوزيب بوريل، منسق السياسة الخارجية والامن في الاتحاد الأوروبي، ان عمليات التدمير الوحشية الإسرائيلية تجاوزت ما شهدتة مدينة برلين الألمانية وبطرسبرغ / ستالينغراد الروسية في الحرب العالمية الثانية، ولم تخرج المستشفيات عن الخدمة، في حين خرجت  27 مستشفى كليا عن الخدمة من اصل 36 مستشفى، و105 مسجدا تدميرا كاملا و192 تدميرا جزئيا، و70 مدرسة خرجت كليا، و275 خروجا جزئيا؛ سابعا تم تهجير ونزوح 1.9 مليون مواطن من الشمال الى الجنوب في حرب الأرض المحروقة، في حين كان النزوح جزئيا ومحدودا في الانتفاضة. فضلا عن ان النزوح الراهن يحمل في طياته مخططا للتطهير العرقي الكامل لابناء الشعب؛ ثامنا توقف العام الدراسي في محافظات الجنوب كليا، في حين ان الأعوام الدراسية رغم توقفها، الا ان التعليم الشعبي عوض أبناء الشعب الفلسطيني عن ما ضاعهم من دروس، وكذلك كان هناك تكافل اقتصادي، الان لا يوجد أي تكافل، لان المواطن لا يجد قوت يومه، وحتى المساعدات التي تدخل يتم سرقة نصفها من القوى النافذة في القطاع؛ تاسعا في الانتفاضة لم تقطع الكهرباء ولا الماء ولا الوقود ولا توقفت المواد الغذائية عن الوصول الى المواطنين ولو بحدود معينة، لكن الان في حرب الطوفان لا يوجد شيء مما ذكر، لا مواد غذائية ولا كهرباء ولا ماء ولا وقود وباتت المجاعة تتفاقم وتتضاعف بطريقة فظيعة ومؤلمة؛ عاشرا حرب السيوف الحديدية لم تكن من اجل تحرير الاسرى، ولو كان الامر كذلك، لما احتاجت العملية كل الويلات التي عاشها ويعيشها المواطن الفلسطيني في محافظات الجنوب، وكان اعلن العديد من قادة الحركة الاسيرة، انهم لو سئلوا عن ثمن حريتهم مقابل هذه الحرب الدموية، لرفضوا ذلك جملة وتفصيلا؛ وهناك الخلفيات المختلفة لكل من الانتفاضة والحرب الجهنمية الدائرة الان، وليس الأوان آوان ذكر ذلك.


تحل الذكرة ال36 للانتفاضة المباركة والشعب العربي الفلسطيني يعيش ابشع لحظات تاريخه المعاصر بعد النكبة، ومع ذلك فالفجر آت لا محالة، وسيزول الاستعمار الإسرائيلي عن ارض دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية وسيعود اللاجئون لديارهم التي طردوا منها رغما عن إسرائيل والولايات المتحدة.