هناك العديد من الدول والقوى تمني النفس بإمكانية أن تتخذ الولايات المتحدة الأميركية موقفًا لثني قادة حكومة الطوارئ وحرب الإبادة الإسرائيلية عن مواصلة واستمراء خيار الحرب، وخفض منسوب أهدافها المعلنة في تصفية اذرع المقاومة في قطاع غزة، وتهجير السكان القسري الى الشقيقة مصر، والافراج عن الاسرى الإسرائيليين من فصائل المقاومة، وإعادة تشكيل الحالة الفلسطينية وفق مشروعها الاستعماري، وتناسى أولئك جميعا ان واشنطن هي ذاتها التي تقود الحرب الهمجية على أبناء الشعب الفلسطيني لليوم ال65، وهي من ترفض تفعيل المؤسسات الأممية المختلفة وخاصة مجلس الامن، وتعطل بشكل مباشر تمكن المجلس من المصادقة على قرار وقف الحرب فورا، كما فعلت اول امس الجمعة الموافق 8 كانون اول / ديسمبر الحالي عندما استخدم مندوبها حق النقض الفيتو للمرة الثانية خلال الفترة الماضية من حرب الإبادة، وهي التي تقوم بعمليات القصف الجوي والبحري والبري بنسبة 75% من مجموع الهجمات الوحشية على الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير المنازل والمدارس والمستشفيات والعيادات والمراكز الصحية وأماكن العبادة المسيحية والإسلامية والبنى التحتية، وتفرض العقاب الجماعي وتحول دون وصول المساعدات الإنسانية من غذاء وادوية ومستلزمات طبية ووقود وكهرباء وماء.


كما أنها مازالت تمد دولة إسرائيل بكل أنواع الأسلحة والعتاد بمختلف صنوفه بما فيها الفسفور الأبيض وكل أسلحة الدمار الشامل، والقنابل والصواريخ التي تزن طن لالقائها على أماكن إيواء النازحين من الشمال الى الجنوب في محافظات غزة، وأمس السبت صادقت الإدارة الأميركية على دعم الدولة العبرية بما قيمته 106 مليون دولار من العتاد القاتل، وهي من تنشر اساطيلها البحرية وحاملات طائراتها وغواصاتها مع قريناتها من دول الغرب الرأسمالي على السواحل الفلسطينية وتشارك بقواتها البرية على الأرض في القتال منذ اليوم الأول للحرب على المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية في القطاع، وتلوح بالعصا الغليظة في وجه كل من يفكر بالضغط عليها او على ربيبتها اللقيطة إسرائيل لوقف حربها البربرية ضد الأبرياء من المدنيين، وقدمت لإسرائيل 14.3 مليار دولار مساعدات عاجلة لحكومة الحرب والموت الإسرائيلية، وتقوم بحملة سياسية وديبلوماسية وإعلامية غير مسبوقة لتشويه صورة النضال الوطني الفلسطيني، وقلب الحقائق رأسا على عقب، وتبني الرؤية الإسرائيلية الكاذبة والمزورة للحقائق، ليس هذا فحسب، بل انها وحلفائها في الغرب الاوروبي من اعلن وتبنى مقولة "لإسرائيل الحق بالدفاع عن نفسها" وتمنع ذلك الحق عن الشعب العربي الفلسطيني، الواقع تحت نير الاستعمار.


أضف لذلك مختلف الإدارات الأميركية المتعاقبة وفي مقدمتها إدارة بايدن الحالية من رفض ويرفض استقلال دولة فلسطين وفقًا لقرارات الشرعية الدولية التي تجاوزت الألف قرار حتى الان. رغم ادعائها الكاذب والمكرر لمئات والاف المرات بانها تدعم خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، الا انها لم تقرن في موقف واحد هذا الدعم الشكلي على الأرض، فلم تعترف بالدولة الفلسطينية، ولم تسمح لمجلس الامن الدولي لرفع مكانة دولة فلسطين لدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، ولم تسمح بفتح الممثلية الفلسطينية في واشنطن، ولم ترفع منظمة التحرير من قوائم الإرهاب، ولم تفتح قنصليتها في القدس الشرقية، ولم تتوقف يوما عن ملاحقة ملف اللاجئين الفلسطينيين، وتعمل على شطبه كليا، ولم تلتزم بدفع استحقاقاتها المالية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، ولم تقدم المساعدات المالية لموازنة السلطة، وهي ذاتها التي تقف وراء سياسة القرصنة الإسرائيلية على أموال المقاصة الفلسطينية، وترفض الزام إسرائيل الفاشية بإعادة الأموال المنهوبة والمسروقة من أموال المقاصة، رغم وعودها الكاذبة لقيادة دولة فلسطين المحتلة وغيرها من النماذج والامثلة الدالة على قيادة الإدارة الديمقراطية للحرب على أبناء الشعب الفلسطيني.


أمام كل هذه الأمثلة الدامغة والواضحة وضوح الشمس، هل يمكن الرهان على واشنطن لوقف حرب الأرض المحروقة على أبناء فلسطين في قطاع غزة؟ هل هناك أي امل في ان تغير الإدارة الأميركية مواقفها المعادية لحقوق ومصالح الشعب العربي الفلسطيني؟ اجزم بان الرهان على واشنطن هو مجرد وهم يعشعش في مخيلات البعض، لذا لا اعتقد ان أي من ذلك يمكن ان يحدث مالم تهزم الولايات المتحدة واداتها الوظيفية اسرائيل، او تستخدم ضدها أوراق القوة العربية والإقليمية والدولية، وتعمل الدول من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة لتجميد عضوية اميركا في المنظمة الأممية، لعلها تتراجع خطوة واحدة عن سياسة البلطجة وجرائم الحرب، وحتى ينقلب الرأي العام العالمي أكثر فأكثر ضدها وخاصة داخل البيت الأميركي. فمن يقرع الجرس، ويبادر من الاشقاء ودول العالم على التقدم خطوة متقدمة للامام لارغام البيت الأبيض وحكومة إسرائيل على وقف حرب الإبادة؟ سيبقى السؤال مطروحا على كل المعنيين من العرب والمسلمين والاقطاب الدولية المعنية بكسر التغول الأميركي.