تحفل أجندتنا الشخصية والاجتماعية والوطنية بذكريات وأيام ومناسبات، منها المفرح، ومنها المحزن، ومنها ما يحرضنا على التفكير والتأمل والبحث لاستخلاص العبر، ومنها ما تكون دعوة لانطلاق مرحلة عملية جديدة، بمضامين وأشكال متقدمة على سابقاتها، منسجمة مع أحدث الظروف والوقائع.. وهنا لا بد من القول إن الإنسان العاقل القوي بمعرفته وثقافته وعلمه وحكمته، هو القادر على تحويل المعاناة إلى استقرار وأمان، وتحويل ذكرى المصائب والمآسي، إلى إنجازات لصالحه وصالح المجتمع في الدائرتين الصغرى والمتوسطة، ولصالح الوطن وفي الدائرة الأكبر، وللإنسانية بلا حدود.
نرى التاسع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني من كل سنة يومًا مرتبطًا بما عنيناه في المقدمة، فهذا اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، مؤلم ومأساوي في حقيقته المؤرخة والموثقة في كتاب التاريخ الوطني الفلسطيني، فالجمعية العامة للأمم المتحدة قد أصدرت في 29 -11-1947 القرار رقم 181 اعتمدت فيه خطة تقسيم أرض وطن الشعب الفلسطيني التاريخية فلسطين إلى: دولة عربية: على مساحة (11,000 كـم2) تبلغ حوالي 42.3% من فلسطين التاريخية والطبيعية وتقع على الجليل الغربي، ومدينة عكا، والضفة الغربية، والساحل الجنوبي الممتد من شمال مدينة أسدود وجنوباً حتى رفح، مع جزء من الصحراء على طول الشريط الحدودي مع مصر، وقسم ثان سمي (دولة يهودية) تبلغ مساحتها حوالي 5,700 ميل مربع على مساحة (15,000 كـم2) 57.7% من مساحة فلسطين التاريخية والطبيعية وتقع على السهل الساحلي من حيفا وحتى جنوب تل الربيع المعروفة الآن بتل أبيب، والجليل الشرقي بما في ذلك بحيرة طبريا وإصبع الجليل، والنقب بما في ذلك أم الرشراش أو ما يعرف بإيلات حالياً. أما القسم الثالث فضم القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة، على أن تبقى تحت وصاية دولية.. وللعلم أكثر لمن لا يعرفون جذر هذا اليوم، فإن لجنة UNSCOP التي طرحت مشروعين أحدهما يتجه نحو "إنشاء دولتين مستقلتين، وتُدار مدينة القدس من قِبل إدارة دولية. فيما الآخر يتجه نحو تأسيس فيدرالية تضم كلا الدولتين. لكن الهيئة العامة للأمم المتحدة اعتمدت مشروع لجنة التقسيم مع تعديلات على الحدود المشتركة بين الدولتين، على أن يسري قرار التقسيم في نفس اليوم الذي تنسحب فيه قوات الانتداب البريطاني من فلسطين".
حظي قرار التقسيم بموافقة 33 دولة من أصل 57 دولة (الدول الأعضاء حينها)، وعارضته 13، وامتنعت 11 دولة عن التصويت على رأسها دولة الانتداب بريطانيا التي كانت قد شكلت (لجنة بيل سنة 1937) و(لجنة وودهد عام 1938) إثر الثورات الشعبية الفلسطينية المقاومة للاحتلال الإنكليزي والاستعمار الصهيوني ما بين (1925 - 1939) للنظر بحلول للقضية الفلسطينية، حيث أوصت اللجنتان بتقسيم أرض فلسطين إلى دولتين!
نتوقف لنستذكر جيمس فورستال وزير دفاع أسبق في حكومة الولايات المتحدة الأميركية الذي أقر بضغط الادارة الأميركية على دول أعضاء حينها، للحصول على موافقة ليبيريا، الفلبين، وهاييتي، لتمرير القرار بأصوات ثلثي الأعضاء، فهو القائل: "إن الطرق المستخدمة للضغط وإكراه الأمم الأخرى في نطاق الأمم المتحدة كانت فضيحة".
أما قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتخصيص يوم عالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني فقد جاء بالنص التالي: "عملا بقرار الجمعية العامة 32/40 باء المؤرخ 2 كانون الأول/ ديسمبر 1977، يتم الاحتفال باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني سنويا يوم 29 تشرين الثاني/ نوفمبر أو في حدود هذا التاريخ، وهو احتفال رسمي يقام للاحتفال باتخاذ الجمعية العامة، في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، القرار 181 (د-2) الذي ينص على تقسيم فلسطين إلى دولتين"... فنلاحظ أن ما بين قرار التقسيم وقرار اعتماد اليوم العالمي ثلاثة عقود (30 سنة) حدث فيها (النكبة سنة 1948)، و(العدوان الثلاثي سنة 1956) حيث احتلت غزة، ثم انطلاقة حركة التحرر الوطنية الفلسطينية (الثورة الفلسطينية المعاصرة) وفي 14 أكتوبر 1974، اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بمنظمة التحرير الفلسطينية بوصفها ممثل الشعب الفلسطيني ومنحت الحق في المشاركة في مداولات الجمعية العامة بشأن قضية فلسطين في الجلسات العامة.
ثم صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3236 المؤرخ بـ(22 نوفمبر 1974)، حيث أقر بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال الوطني والسيادة في فلسطين. والاعتراف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني ومنحها مركز مراقب في الأمم المتحدة، والمشاركة في جميع دورات الجمعية، وفي منابر الأمم المتحدة الأخرى.
وفي 15 ديسمبر 1988، أقر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 43/177 "إعلان الاستقلال الفلسطيني الصادر في نوفمبر 1988 واستبدل "منظمة التحرير الفلسطينية "باسم" فلسطين" في منظومة الأمم المتحدة. وفي 29 نوفمبر 2012، منحت الجمعية العامة فلسطين مركز دولة غير عضو لها صفة مراقب في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 67/19.
وفي 17 ديسمبر 2012، قرر رئيس بروتوكول الأمم المتحدة يوتشول يون أن «تستخدم الأمانة اسم دولة فلسطين في جميع وثائق الأمم المتحدة الرسمية».
نعتبر القرار الأممي بتخصيص اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني بمثابة يقظة تاريخية لدى الشرعية الدولية، تستوجب مقتضيات العدالة، انطلاق برنامج عمل إستراتيجي حقيقي يلمس نتائجه الشعب الفلسطيني على الأرض، وننطلق ارتكازا على هذا القرار لتكوين وعي شعبي ورسمي عالمي، سياسي وقانوني، مدرك لحق الشعب الفلسطيني في أرض وطنه التاريخي والطبيعي فلسطين، ومطالبة الشرعية الدولية بالانتصار لإرادتها ومواثيقها وقراراتها وقوانينها، والبدء فعلا بتنفيذ القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية التي زادت عن 800 قرار!.
إن حجم التفاعل الدولي الشعبي والرسمي في هذا اليوم لدليل على مكانة ومركزية القضية الفلسطينية للاستقرار والسلام والازدهار في منطقة حيوية ورئيسة وإستراتيجية وحضارية من العالم، فنحن نعتقد أن انتصار العالم لحق الشعب الفلسطيني ومساندته حتى تحقيق استقلاله وبسط سيادته على ارض دولته المقررة في قرارات الأمم المتحدة، إنما هو انتصار لمبادئ العدل والمساواة والحرية والحقوق الإنسانية، فالشعب الفلسطيني على رأسه قيادة عقلانية حكيمة متمسكة بالثوابت والحق الفلسطيني، استطاع انتزاع اعتراف بدولة فلسطينية – ولو بصيغة عضو مراقب – حتى أصبح يوم 29 من نوفمبر عام 2012، يوما لإنجاز وطني، وضع فلسطين على الخريطة الجيوسياسية، وسيبقى يناضل حتى تتحرر فيه إرادة المجتمع الدولي، ويصبح له دولة كاملة العضوية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها