لستُ هناك في غزّة
لستُ على أرضها ولا في مبانيها ولا شوارعها ولا نهارها ولا ليلها ولا في أحلامها الكابوسية ولا في رعبها ولا في الترقُّب ولا في مخاوف النوافذ وما بعدها
لستُ في انهيار الإسمنت ولا ألواح الخشب ولا الحديد ولا المفاجأة
أنا الحياة الشخصية - هنا - عندما يُكتَب لها النجاة، طفل يفرّ من الجحيم ومن ضوء الشاشات ويتحسَّس أطرافه.
من يبكي أكثر
الطفل الذي يرتجف رعباً في ممرّات المستشفى
أم الأُمّ عندما تكشف أغطية الجرحى،
تبحث عن ملامح غطّاها الدم المتخثّر
أم المُشاهد البعيد خلف شاشات الأخبار؟
طارت عصافير كثيرة في سماء غزّة
كنعان لا يدري
قطَع أرض غزّة عرضاً إلى البحر المتوسّط
سكراناً بنبيذ الآلهة
والمعابد التحيتة
لم تُوقفه نقطة تفتيش ولا مجنزرة آلية
سهمٌ واحد فقط شطَفَ كتفه الأيسر
فاستمرّ السكران يطوي الطريق ويحفر بحجارة التاريخ.
عدد الأحجار في جيب الراعي داوود لا تعني شيئاً في بورصة نيويورك، ولم يسمع بها الوول ستريت
لم يسمعوا بالعملاق الفلسطيني جُليات، لم يفتّشوا بطاقته الفلسطينية، ولم يمرّروها على جهاز المطار
لم يوقَف جليات في الممرّ بين جبلين في غرفة الجمارك
الحياة سريعة هناك
ولا وقت لديهم لتفويت الفرصة
الأكاذيب وحدها تنحني ببطء، تعُدّ أحجارها، وترسم خطوط الشاشة.
من يهدم هذي الخرافة ويقصف الأساطير،
كي يهدأ العالم (يأخذ نفَساً) وينكسر وحش الآلة.
كثرت صور الأطفال القتلى في غزّة، كثرت الأذرع الصغيرة المرتخية، كثرت فساتين البنات الملطَّخة بالدم الحار، كثرت الجدائل المسخّمة بالغبار والدخان، كثيرٌ هذا، كثير جدّاً
وفائض عن حدّه
لذا، لم نعد بحاجةٍ لصورة أيقونة تُحرّك ضمير العالم.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها