لا أعتقد أن هناك اعتقال سياسي في الضفة، وأن في سجون السلطة، يقبع سجناء على أرضية الموقف السياسي أو الانتماء الحزبي. وإن كان هناك أمثال هؤلاء المعتقلين، فإن اعتقالهم سيكون شائناً ولا يليق بالكيانية الوطنية، ولا يتماشى مع الوثيقة الدستورية، لأن السلطة الفلسطينية هي حاضنة المجتمع بتعدديته، وهي راعية التسامح الذي تقوم عليه فلسفة الديموقراطية، وينبغي بموجبه، أن تتقبل الأوساط الحاكمة الآخر، مهما كان، في إطار القانون الذي يكفل للمواطنين حقوقهم الدستورية!

المعتقلون من 'حماس' في الضفة، محتجزون لأسباب ذات صلة بنشاط يتهدد الوضع الأمني الفلسطيني والنظام العام. أما علاقة هذه الأسباب بالمقاومة المسلحة، فيمكن أن تصبح نقطة خلاف، في حال أن تكون 'حماس' تقاوم من غزة، وتتعمد توسيع خط النار لإرهاق المحتلين. عندئذٍ سيكون الاعتقال على أرضية خيار السلطة في المفاضلة بين طريقين: إما أن تنخرط في مقاومة لا تملك مقوماتها ولا شروطها، أو أن تحافظ على مقدرات الشعب الفلسطيني في الضفة، فتتجنب الهجوم المدمر من قبل عدو لا يتورع عن اقتراف أية جريمة. وعند اعتماد الخيار الثاني، لن تكون السلطة خانت أو تواطأت، وليس أدل على ذلك من اعتماد 'حماس' نفسها لهذا الخيار والتزامها به، بل وإلزام غيرها، دون أن يتهمها طرف بشىء من هذا القبيل!

 وليس أكثر استفزازاً للسلطة الفلسطينية، أن تنزع الحركة التي تهادن من مناطق سيطرتها، الى بناء قوة مسلحة في مناطق لا تسيطر عليها، وتتلطى بمبدأ المقاومة، ثم يكون الهدف المضمر، الانقضاض على السلطة بقوة السلاح. لذا بات من أهم الشروط الوطنية للوفاق، أن يقلع الطرف الذي فعل ذلك في غزة، عن مثل هذه الخواطر، لأنها لن تتكرر، إن فشلت المصالحة لا سمح الله حتى ولو استمر تشغيل أغنية 'دايتون' ليلاً ونهاراً، وعلى مر الأيام!

هناك مخرج للإفراج عن المواطنين الذين اعتقلوا في الضفة، على أرضية أمنية. إنه التوافق بين السلطة و'حماس'، على التزام محازبي هذه الحركة بالخيار نفسه الذي اختارته في غزة. وهنا، لا مناص من مبادرة حوار في الضفة، بين الحركتين، ومن ثم بين الحركتين مجتمعتين من جهة، والسلطة من جهة أخرى، لكي يُصار الى إطلاق المعتقلين على قاعدة التوافق الوطني، لا سيما في هذه الظروف الإقليمية الصعبة، وفي ظل اختلال الموازين والأوضاع الملتبسة، وصعوبة أن نجد في العالم من يلتفت الى سفك دمنا، بآلة الاحتلال الغاشمة، التي تعشق لعبة البطش الدامي بالطرف الفلسطيني الضعيف، في حال أتيحت الفرصة، لكل طرف أو مجموعة، بأن تنفرد باستراتيجة عمل خاصة!

إطلاق الذين اعتقلوا على أرضية أمنية، في الضفة، مستلزم وفاقي، له هو نفسه، مستلزم وطني انضباطي، يحترم المنهج المعتمد ويمتثل له، لأن الذي اختار أن لا يخوض حرباً خاسرة، ليس متخاذلاً ولا خائناً، وليسأل 'الممانعون' مرجعياتهم في سورية وسواها. إن طريقنا الرابحة المتاحة، تحتم تنبية الأجواء والنفوس والهمم، لكي ينخرط الناشطون في فعاليات المقاومة الشعبية وفي عملية البناء والحياة الطبيعية، وفي تفعيل الحياة السياسية، وهذه هي الشروط المتوافرة، التي من شأنها إعانة شعبنا على الصمود في وجه الاستيطان الزاحف!

لا يختلف اثنان، على أن من يمتلك القوة لكي يشن حرباً من منطلق حسابات فيها نسبة معتبرة من احتمالات النصر؛ ينبغي أن يشنها لانها أجدى من كل الوسائل الأخرى، لكن العين بصيرة واليد قصيرة. إن سياسات الاحتلال لا تستحث سلاماً ولا جنوحاً الى التهدئة، بل هي إن لم تفجر غضب اليائسين، فإنها تكظم غيظهم وغيظ شعوب المنطقة وثوراتها وقواها الحية الناهضة!

نتمنى أن تنتفي كل موجبات الاعتقال الأمني، أما الاعتقال السياسي، فإن الرجاء انعقد مبكراً على أن لا يُعتقل فلسطيني على أرضية حماسته لرأيه أو لانتمائه الحزبي. ننشد الحرية للفلسطينيين جميعاً في خياراتهم السياسية. ومن تحصيل الحاصل، ان نستهجن الزج بفلسطيني واحد، في سجن فلسطيني، على أرضية التعارض، سواء في خيارات الانتماء أو في مناهج العمل. فالشعب الذي يعشق الحرية ويتشكى من الزج بأحراره في غياهب السجون، يستنكر الاعتقال السياسي، ولا يطيق أن يرى سجناً يرتفع فوق أبنيته علم فلسطين، ويقبع فيه مواطنون، لمجرد كونهم مخالفين في الرأي!