بقلم: سامي أبو سالم
لم يعد هناك متسع في ثلاجة الموتى بمستشفى الشفاء بمدينة غزة، فقد تكدست بشهداء وأشلاء شهداء في أكياس بلاستيكية بيضاء أشبه بالأكفان، اضطرت الطواقم الطبية لرص الشهداء على الأرض.
لم يستطع الموظف من اغلاق درج تطل منه ساق شهيد طويل القامة، جاوره كومة أشلاء لأحد الشهداء الذين سقطوا في احدى الغارات الإسرائيلي ودُمغ عليها اسم "مجهول".
واستشهد على الأقل 400 مواطن جراء غارات جوية إسرائيلية على مناطق مختلفة من قطاع غزة.
يتوافد مواطنون في مجموعات يفتشون عن فلذات أكبادهم بين الأشلاء. وصل أكرم المناصرة يهوي من حي الشجاعية بقطاع غزة، يتكئ على عكازين، يفتش عن نجله.
بعد أن فتح عدة أدراج من ثلاجة المستشفى شاهد المناصرة شابًا فتيًا بنصف جمجمة.
ترك المناصرة العكازين وجلس يرتجف ببطء واحتضن نصف الرأس وقال: "إبني خالد... خالد، الله يرحمك يابا".
بكى المناصرة بحرقة ووضع أقارب له أيديهم على كتفه وساعدوه في الانتقال خارج المشرحة ليكمل بكاؤه بعيدًا عن الزحام.
هاتف المناصرة أقاربه وأوصاهم بزوجته أن لا يبلغوها "فجأة" باستشهاد ابنها، وقال: "لا أعلم أين كان ابني عندما استشهد، قيل لي أنه استشهد في قصف جوي".
وتابع مناصرة قائلاً: إن ابني يبلغ من العمر 22 عامًا وكان يعمل خبازًا في مخبز محلي في محاولة لبناء مستقبله.
عدد من النسوة، أمهات وأخوات الشهداء تجمعن على مدخل ثلاجة الموتى لكن الشبان منعوهن كي لا يُصدمن من الأشلاء والجثث المجهولة والمقطعة.
أسفل القسم المخصص لصغار جثتين لشهيدين، أحدهم واضح المعالم ولم يتم التعرف عليه بعد، جاوره جثة لشاب بقميص أصفر وقد تشوه نصفه الأعلى.
جلس شاب يتفقد ساقه وقال: "إنه أخي، عرفته من جرح في ساقه، ثم قال كلا ليس أخي" وانتقل لكيس أبيض آخر يفتش فيه.
جثتان جديدتان تصلان الثلاجة، إحداها عبارة عن كومة من اللحم البشري، والآخر مشوه الجزء العلوي.
وصل رجل قيل له إن ابنه شهيد، أخذ يفتش بين الأشلاء، شك في إحداها لكنه لم يتأكد، لف يده بمنديل ورقي وسحب جزءًا من قميص ليتأكد ما إذا كان يتبع ولده أم لا.
وقع في حيرة لا سيما بعد أن تفحص القدمين، ترك الأشلاء وذهب للمستشفى الأندونيسي شمال غزة يبحث عن ابنه.
في المستشفى الأندونيسي أيضًا تكدس الشهداء في الثلاجة التي لم يعد فيها متسع، وضع العاملون جثث الشهداء على الأرض في قسم العيادات الخارجية.
يتنقل أهالي الشهداء والمفقودين بين الشهداء، تنقل على سالم يبحث عن جثمان ابن عمه، بعض الأكياس كُتب عليها أسماء الشهداء وأكياس أخرى "مجهول" إلى حين التأكد من هويتها.
عثر علي سالم على جثة ابن عمه أحمد، والد لطفلين، الذي استشهد في إحدى الغارات.
جاوره جثمان جاره الشهيد أحمد أبو اللبن، نُقل جثمانا الشهيدين منزليهما في مخيم جباليا، ومن ثم للصلاة عليهما في المسجد ودفنهما بعد تشييعهما في جنازة واحدة.
ولزحام ثلاجات الموتى يضطر أهالي الشهداء لنقل أبنائهم بشكل سريع أترك متسع لشهداء جدد مع استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها