فتح ميديا - لبنان

كُتابُ رؤى المستقبل ومنهم جورج أورول في مزرعة الحيوانات "Animal Farm" والدوس هوكسلي في "عالم جديد مقدام" "Brave New world"، تناولا جوانب فكرية ونظم علمية وسياسية واجتماعية متباينة غايتها تطوير المجتمع ورفاه المواطنين وذلك عن طريق ضبط إيقاع الأنظمة المالية والاقتصادية، التربوية والصحية، الاجتماعية والسياسية.
عالج اورويل في "مزرعة الحيوانات" رؤية نظام سياسي حاول الارتكاز على مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية، الديمقراطية ومداورة الحكم، المسؤولية وتكافئ الفرص، الشفافية والانضباطية، ونبذ العصبيات بكافة أشكالها ورفض الولاءات الفئوية والدينية.
هبَّ الشعبُ تأييداً لهذه الرؤيا لكونها تناقض وترفض سيادة الظلم والفساد، الاستبداد والطغيان، الاحتكار والهيمنة، التهميش والإقصاء، التأجيل والتسويف.
انتصرت الثورةُ وانتظر الشعبُ التغيَير! تطلع المجتمع بشوق إلى الحرية والمساواة التي ناضل من أجلها. تغيرات طرأت وتسريبات دخلتْ مفردات ثورية شُطِبتْ واستبدلتْ بأخرى غامضة ومبهمة. تفسيرات ملتوية بدأت تطفو هنا وهنالك تثير التشويش والتساؤلات. ثم برزتْ فئة مُتنفذة توزعُ المهمات والمناصب، تقربُ البعضَ وتبعدُ الآخر. انتشر الفساد والمحسوبية، التزلفُ والمداهنة لغياب المراقبة والمحاسبة التي شجعها المتنفذون بدأ التململ والتحرك بين صفوف الشعب لكن التغير والإصلاح.
وقعتْ الكارثة... ثورة ضد الثورة الأم. ضاعتْ المسؤولية فقدتْ الانضباطية، عاد الولاء الفئوي القبلي العشائري. أطلَّ العنفُ وبدأ الصراعُ المسلح في العراق، ليبيا، اليمن وسوريا وفلسطين.
عملتْ قوى سياسية- دينية على تأجيج المنافسة والصراع إذ عملتْ قوى سياسية- دينية على تأجيج المنافسة والصراع إذا تقربت من المحتجين، واهتمت بتأمين بعض احتياجاتهم الاجتماعية والمعيشية وساهمت في تخفيف معاناتهم. فالتفوا حول هذه القوى الجديدة وساندوها تأييداً أو كيدية.
هكذا كانتْ البداية في انفصال غزة عن الوطن فلسطين!!
وهكذا ما حدث للمنظومةِ الاشتراكية في تسعينات القرن الماضي. تفكك الاتحادُ السوفياتي وتشظى إلى دويلات تسبحُ خارج فلك روسيا. واليوم نرقب بألم أحداث الربيع العربي. أنظمة الحزب الواحد غارقة في قتل الشعب وتدمير بنيان الوطن. تحديد المسؤولية ليست من مهمة هذه المقالة، إنما دراسة الواقع وأخذ العبر ضرورةٌ ملحةٌ.
ورؤية هوكسلي المستقبلية، وعالم جديد مقدام  "Brave New world"، تقدمُ مجتمعاً علمياً متطوراً يرتكزُ على الفيزياء والكيمياء والتكنولوجيا الحديثة من أجل تأسيس وتنظيم وتسيير مجتمع جديد نام، متطور وفاعل من خلال برمجة علمية وتشكيلات معينة ومفصلة تحديداً وتحريكاً لمسؤوليات ومهمات أفراد سلوكيات قوى المجتمع، اتصالاتهم وتنقلاتهم وتفاعلاتهم وتحركاتهم.
إن ظهور طبقة علمية متنورة في رؤية هوكسلي أدتْ إلى تحكم هذه الفئة المتنيرة واستئثارها بمعظم مرافق الحياة مع تحقيقها منافع للمجتمع، ومنها أطفال الأنابيب، التحكم بالنطفة ومسارها ولقاحها، تحديد نوع الجنين ذكراً أم أنثى.
وأنتجتْ الروبتات المتناهية الصغر التي دخلت جسم الإنسان وأجرت بعض العمليات المستعصية من قطع وبتر، ترميم وتوصيل، تغيير وتثبيت أجزاء دقيقة وحساسة في قلبه وداخل أحشائه. ودفعتها ظهور شبكات اتصال جديدة كالانترنت، والفيسبوك، التويتر واليوتيوب والبريد الالكتروني حيث يتجلى أثرها وتأثيرها في الإعلام والتربية والثقافة وترافق مع هذه الشبكات ظهور بطاقات الائتمان التي سهلت أعمال المال والاقتصاد والسفر، وغيرها.
الربيع العربي مدين لهذه القفزة النوعية العملاقة لشبكات الاتصال والتواصل.
حيثُ ساهمت بفاعلية كبيرة في بث ونقل، نشر وتوزيع، فضح وتعميم بالصوت والصورة قضايا كانت تدور خلف أبواب موصدة منها حديث  أوباما-سركوزي الجانبي عن نتنياهو.
قراءة الواقع واجب وضرورة حتمية. استخلاص العبر من ضروريات الحياة.
الاستحقاقاتُ الوطنية الفلسطينية قادمة. إنها ترفض الانتظار والتسويف، المماطلة والارتهان. النضالُ الفلسطيني يتطلبُ التحرك السريع الشامل واللقاءات والحوارات المعمقة الهادفة إلى المصالحة الوطنية الفلسطينية بين الفصائل الوطنية والقوى الإسلامية. لا رهان بعد اليوم على الأنظمة. الرهان الوحيد هو الشعب صاحب القضية. المصالحة الوطنية والوحدة ضمان الوجود.
لتكن الثقةُ.. الشفافية.. الموضوعية... الأمانة... الصدق... الإخلاص... محدات العمل الوطني الفلسطيني.
الولاء... كل الولاء لفلسطين حتى لا يتعثر العمل.