سجلت الجولة الاولى من الانتخابات المصرية فوزا ساحقا للتيارات الاسلامية، وفشل فيها التيار الوطني والليبرالي. هذا الانتصار، الذي وفق كل المؤشرات، يشير الى ان النتائج النهائية ستكون بالضرورة لصالح جماعة الاخوان المسلمين والسلفيين ومن والاهم من الاسلاميين.

فوز الاسلاميون في الانتخابات المصرية الاولى بعد الثورة ليس مفاجئا، ولا مستغربا، ولم يهبط من السماء، بل هو نتاج جملة من العوامل الذاتية والموضوعية، منها:

اولا البناء الداخلي الجيد للجماعات الاسلامية عموما والاخوان خصوصا. وتمكنهم من تحشيد الانصار والمؤيدين في الشارع المصري قبل الثورة واثناءها، وهي عملية مازالت مستمرة (عملية الثورة). إضافة الى تشكيل اكثر من  إطار حزبي منظم جيدا، رغم انهم لا يعترفون سوى ب"حزب العدالة والحرية". وايضا قدرتهم على تقديم خطاب ديني - سياسي يستجيب حتى اللحظة لمزاج المواطنين.

ثانيا الاضطهاد الذي مارسه النظام السياسي السابق ضد الجماعات الاسلامية. والذي ترافق مع غياب الديمقراطية الحقيقية. وحرمان التنظيمات الاسلامية من الترشح والانتخاب بحرية تامة.

ثالثا عملية التزييف الكبيرة ، التي شهدتها الانتخابات الاخيرة في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، والتي كانت من العوامل المحركة مع قضية "التوريث السياسي" لتفجير خزان الحقد الشعبي ضد النظام.

رابعا غياب القوى القومية والليبرالية واليسارية عن الساحة. وان وجدت، فوجودها شكلي وضعيف، ولا حضور فعلي لها في الساحة، لانها تعاني من التكلس في خطابها السياسي وتآكل مصداقية قياداتها السياسية.

خامسا المال السياسي، الذي استخدمته التيارات الاسلامية بشكل جيد لاستقطاب الفقراء والمسحوقين والعاطلين عن العمل. وايضا استخدامه في التعبئة والتحريض والدعاية والاعلام.

سادسا عدم معرفة المواطنين بماهية التيارات الاسلامية ولا بالكيفية التي تحكم بها، دفعها لمنح الثقة لها لعلها تكون افضل حالا من التيارات القومية واليسارية، التي حكمت  او شاركت في حكم البلاد في المراحل التاريخية السابقة.

سابعا إحتدام التجاذب الديني الاسلامي -القبطي. حيث حفز ترشيح الكنيسة لقائمة تمثل المسيحيين الاقباط، أفاد التيارات الاسلامية لاستثمار ذلك في الضرب على الوتر الديني. مع ان الكنيسة كان بامكانها ومن يتوافق معها ان تشكل إطارا حزبيا تدعمه بشكل غير مباشر، وتتفادى الدخول في عملية التجاذب الخاسرة.

ثامنا مقاطعة  قطاعات واسعة من المواطنين المصريين الانتخابات لاعتقادها، ان الانتخابات "مقرر شأنها" من قبل المجلس العسكري، وبالتالي ذهبت للمشاركة او لم تذهب، فالامر سيان؟! فضلا عن مقاطعة شباب الثورة للانتخابات أثر سلبا على نجاح ممثلي التيارات الاخرى.

                                                                                    

آفاق العملية السياسية

رغم ما تحاوله التيارات الاسلامية من إدخال الطمانينة لنفوس المواطنين المصريين، بان النظام السياسي القادم لن يكون إسلامويا، إلآ ان المؤشرات الراجحة، ومن خلال التصريحات المتتالية لقادة وممثلي تلك التيارات، فإن المرحلة القادمة ستكون ذات توجه إسلامي بامتياز. بتعبير ادق، ستشهد مصر إنحسارا متزايدا للديمقراطية والحريات الاجتماعية والشخصية نتاج التغيير الكبير والجذري في الدستور بالمعنى السلبي، التي ستترك آثارها السلبية السياحة والفن والثقافة والمعرفة، وبالتالي على التنمية الاقتصادية والبشرية. وعلى الصعيد السياسي، لن تتغير المعادلة، التي حكمت النظام السياسي السابق، لاسيما وان جماعة الاخوان المسلمين، التيار الاقوى بين الجماعات الاسلامية، قطعت على نفسها عهدا امام الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي بالوفاء بالالتزامات والاتفاقيات، التي ابرمها النظام السابق وفي مقدمتها إتفاقية كامب ديفيد مع دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية. وما التهريج الاسرائيلي بالخشية من فوز الاسلاميين سوى تلميع لتلك الجماعات في الشارع المصري.

لكن الخطاب السياسي المرافق للنظام السياسي الجديد، فسيكون "خطاب ممانعة" ديماغوجي لتضليل المواطنين المصريين، ولابقاء دعمهم للتيارات الاصولية الاسلامية، وبالضرورة ستحتل القضية الفلسطينية مكانة رئيسية في عمليات التضليل والتطبيل الاسلاموية اللاحقة. وبالتأكيد ستشهد العلاقات المصرية - الفلسطينية تحولات جذرية لصالح الجماعات الاسلامية على حساب الشرعية الوطنية، وهذا يعني إنحسار وتراجع في اوساط الانظمة العربية الداعمة للتيار الوطني والقومي والديمقراطي الفلسطيني، مما يعني حدوث عملية مد إيجابية لصالح حركة حماس وانقلابها على الشرعية.

بطبيعة الحال هناك اصوات اسلامية من حزب الاخوان المسلمين والتيار السلفي (حزب النور) أكدت، ان مصر لن تتدخل في الحريات الشخصية والاجتماعية وستولي اهمية مركزية للتحديات المطروحة على الشعب المصري والتمنية الاقتصادية وغيرها من المسائل الحساسة. هذا الخطاب الايجابي، مؤقت، ولا يتعدى فترة إجراء الانتخابات في مراحلها المختلفة لطمأنة المواطنين، بعدم الذهاب الى الدولة الدينية، وان توجههم نحو الدولة "المدنية" ولكن كما اعلنوا سابقا "الدولة المدنية بخلفية إسلامية" وهو ما يعني مصادرة الحريات والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وإقصاء الآخر، وفرض الحجاب والجلباب ومنع الاختلاط بين الرجال والنساء ... الخ القائمة، التي مثلها نموذجي الانقلاب في غزة وحكم عمر حسن البشير في السودان.

مع ذلك سيبقى المرء يفتح أفق للأمل في ان تكون تعلمت حركة الاخوان المسلمين من التجربة الايجابية، التي مثلها حكم حزب العدالة والتنمية التركي بقيادة الثلاثي: اردوغان واوغلو وغل، والتجربة، التي قد يتمثلها حزب النهضة التونسي بقيادة الشيخ راشد الغنوشي. إن حصل هذا التطور غير المسبوق في تجارب الاخوان المسلمين، فإن ذلك يعتبر إنتصارا للحركة على مناهج التفكير لديها، وتجاوزت الجمود السلفي الاصولي، وهو ما يعني رغبتها في الانفتاح على التيارات السياسية الاخرى. ولكن من السابق لاوانه الحكم في الشق الاخير من الافاق المفتوحة قبل رؤية الوقائع على الارض.

مع ذلك لا يجوز الخشية من حكم الاسلاميين اي كان صوة النظام الذي سيعتمدونه في الحكم، فهذه محلة ضرورية من مراحل ربيع الثورات العربية. وعلى القوى الوطنية والقومية والليبرالية واليسارية ان تستخلص العبر والدروس مما آلت اليه الامور في ربيع الثورات العربية. والاستعداد للتصدي القوى والحاسم لاية ارتدادات عن شعارات الثورة، وعن الدولة المدنية والتداول السلمي للسلطة، ومجابهة التاوي الظلامية حول الحريات الشخصية والاجتماعية المتعلقة خصوصا بالمرأة. وما لم تستعد تلك القوى ومعهم قطاعات المثقفين والفنانين والاكاديميين والنساء والشباب ، فانها ستؤكل يوم أكل الثور الابيض ؟