على مدار التاريخ شعوب الأرض قاطبة رفضت ولفظت الخونة من صفوفها، واقتصت منهم باحكام قاسية تتوافق مع جبنهم وخروجهم عن وحدة الصف، والانقلاب على مصالح الشعب هنا أو هناك، وارتكاب الخيانة العظمى ضد مصالح الشعب والوطن لخدمة أعداء هذه الأمة أو تلك. ولم يسجل التاريخ في أي مرحلة من مراحله، أن شعبًا من الشعوب عفى أو سامح العملاء والجواسيس، بل إقتص منهم، وعاقبهم عقابًا شديدًا، حتى لو امهلهم بعض الوقت لاعتبارات ذاتية أو موضوعية، لكنه لم يعفو عنهم.
وبالمقابل حتى الدول الاستعمارية والمعادية المستعملة للعميل بعد إنتهاء دوره الأسود والاجرامي بحق شعبه، كانت ومازالت تلجأ لاحد الأساليب التالية للتخلص من العميل: أولاً إلقائه في مزبلة التاريخ، وتركه مهمشًا في أي مكان يعيش فيه دون أي رعاية، أو اهتمام به، وايقائه غارقًا في وحول نجاسته وبيع نفسه رخيصًا؛ ثانيًا إقالته حتى لو كان ملكًا أو رئيسًا أو اميرًا أو قائدًا للجيش او وزيرًا أو في أي موقع كان، وتركه لقمة سائغة للشعب ليصفي حسابه معه؛ ثالثًا الانقلاب عليه من خلال استخدام عملاء آخرين من ذات النظام السياسي، أو استخدام أدوات مأجورة جديدة لتنفيذ مآرب القوى المعادية في البلد والشعب المعين؛ رابعًا تصفيته رميًا بالرصاص، أو بتفجير موكبه، أو ارغامه على الانتحار هربًا من العار الذي لحق به، أو الوشاية به أمام شعبه ليقوم بدوره تصفية الحساب معه.
وهناك نماذج ضج بها التاريخ قديمًا ووسيطًا وحديثًا عن كيفية فضح وتعرية العملاء والخونة، الذين باعوا انفسهم بابخس الاثمان للأعداء، وارتضوا أن يكونوا دمى تافهة يحركها الأعداء كيفما شاؤوا، ولو توقفنا أمام أحداث "الربيع العربي" وشاهدنا كيفية تعاطي الولايات المتحدة ودول الغرب الرأسمالي مع الحكام العرب، الذين انتهى دورهم ومهام بالنسبة للغرب ، لأنهم باتوا عبئًا على مصالح الغرب، وعائقا امام أهدافهم بمعايير المرحلة الجديدة، لادركنا أن الغرب وربيبته إسرائيل اللقيطة لا يحمون عميلاً مهما كان موقعه، أو مكانته الاعتبارية، وهذا ما استخلصه الرئيس المصري الأسبق الراحل حسني مبارك، الذي قال "المتغطي بأميركا عريان"، والمتغطي بإسرائيل أكثر عريًا وعارًا ودونية.
وطبعًا ليس كل الحكام العرب أو من في مقامهم عملاء، لأن جزءًا لا بأس منهم، كانوا وطنيين وقوميين دافعوا عن مصالح شعوبهم وامتهم وفق معاييرهم وقدراتهم وظروفهم بصورة مشرفة وتراجيدية أمثال ياسر عرفات وصدام حسين المجيد ومعمر القذافي، بيد أن البعض الاخر كان عنوانا للعار والفضيحة والانسحاق.
والعمالة ليست بالضرورة أن يكون كاتبًا للتقارير، أو عميلاً صغيرًا وبالطريقة البسيطة والتافهة، إنما قد يكون عميلاً من خلال السياسات التي ينتهجها، والسموم في العسل التي يدسها في برامج العمل، مما يسمم حياة المجتمع هنا أو هناك، ويعطل الدورة الاقتصادية، ويعيق التنمية المستدامة، أو يعمم الفساد والرشوة في أوساط النخب القيادية، مما يساهم في أن يدفع الشعب والأمة أثمانًا باهضة جدًا تفوق في خطورتها العشرات والمئات من العملاء كتبة التقارير والوشاية، أو نشر الاشاعات الكاذبة والتحريضية.
فضلاً عن أن هناك أدوات حزبية بمسميات دينية وطائفية ومذهبية أو باية صفات، تم بناءهم وتأهيلهم وتلميعهم لينفذوا برامج عمل تخريبية في أوساط شعوبهم وأممهم، كما جماعة الاخوان المسلمين والمجموعات التكفيرية والتخوينية المنبثقة من رحمها، او أمثال حزب التحرير وغيرهم من المأجورين بأسماء أخرى باعوا انفسهم للفرس والأتراك ولإسرائيل وأميركا ودول أوروبا المختلفة، وحتى عملاء باعوا انفسهم لبعض الأنظمة العربية لخدمة اغراضها التفتيتية والتمزيقية لخدمة مصالح الغرب وإسرائيل من خلال شن حروب بينية مع الاشقاء بذرائع واهية، ومن استمع لحمد بن جاسم، رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق في مقابلاته مع ال(بي بي سي) وغيرها من القنوات الفضائية، يعرف جيدا الدور الوظيفي الخطير الذي لعبته تلك الأنظمة المأجورة.
آسف اطلت في الحديث عن العام، لأني هدفت استيفاء الجزء الأكبر من ملامح العمالة والجاسوسية، مع أن هدفي ورسالتي تستهدف الوزيرة الليبية، نجلاء المنقوش، التي ارتضت أن تكون رأس حربة في ليبيا لتسويق التطبيع المجاني الخياني لليبيا وللشعب العربي الفلسطيني وللامة العربية، ولم تحمها لا إسرائيل الاستعمارية، ولا من وقف خلفها في ليبيا، ولا غيرهم في الولايات المتحدة. نعم ضحت إسرائيل بالوزيرة الليبية في أقل من أسبوع، وتخلى عنها من وقفوا خلفها في طرابلس الغرب، وماذا كانت النتيجة؟ هربت تحت جنح الظلام لاحضان رعاتها. ولم يعد ينفعها الانفعال والعتب المؤقت من إدارة بايدن على حكومة الترويكا الفاشية الاسرائيلية، التي اعتبرت اللقاء بينها وبين الوزير ايلي كوهين "حدثًا تاريخيًا"، و"سبقا هاما في دورة التطبيع الاستسلامي"، فضاع السبق، وارتد الإعلان عن اللقاء سخامًا أسودًا على رؤوس الحكومة، ودفعت، وستدفع المنقوش ثمنًا غاليًا، أولاً باتهامها بالخيانة العظمى، وثانيًا بحرمانها من العودة الى ليبيا، وطنها الأم، وثالثًا تعرضها للملاحقة من الوطنيين الليبيين، ورابعا ضياع مستقبلها السياسي والاجتماعي والأخلاقي، حتى لو منحوها مال قارون، وليس أموال عائلة روتشيلد الصهيونية فلن ينفعها أبدًا.
وهذا ما سيكون عليه مستقبل كل العملاء والمطبعين من الحكام العرب، ولو لم يصبهم ما أصاب الوزيرة المنقوش، ولكن الجماهير العربية لن تغفر لهم، ولن تنسى خيانتهم لمصالح شعوبهم وشعوب الأمة وخاصة قضية العرب المركزية، قضية فلسطين، التي كانت وستبقى لعنة تطارد كل العملاء مهما علا شأنهم لبعض الوقت. فالتاريخ لا يرحم العملاء، ولن تتغطي شمس الامة العربية وقواها الحية ومشروعها القومي بغربال ممزق، أو بعناوين وحساب المصالح النفعية الضيقة والشخصية، ومن لم يتعلم من تجربة مبارك وشاه إيران وزين العابدين وغيرهم، لا يفقه ألف باء دورة وحساب التاريخ.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها