أكدت تجربة الشعب الفلسطيني، ان المقاومة السلمية الشعبية تعتبر الشكل الأنسب في مرحلة ما بعد انتفاضة 1987 – 1993 الكبرى، لما حققته تلك الثورة في الثورة من إنجازات وطنية هامة على الصعد السياسية والديبلوماسية والنضالية عموما. لكن البعض ضيق مفهوم المقاومة الشعبية في نطاق المواجهة السلمية مع قوات الجيش وقطعان المستعربين والمستعمرين في الساحات والميادين وخطوط التماس ما بين المدن والمخيمات والقرى والمستعمرات الإسرائيلية او معسكرات الجيش الإسرائيلي. وحاول البعض ان يجردها من روحها وملموسيتها، كونه فهم الطابع السلمي معزولا عن حق الدفاع عن النفس. لا سيما وان قوات الجيش الاستعماري وقطعان المستعمرين ومجموعات المستعربين هي من يقوم وعلى مدار الساعة بالاعتداء والهجوم على أبناء الشعب في كل زوايا الوطن الفلسطيني، وحيثما وجد فلسطيني على ارض فلسطين التاريخية، فضلا عن الاجتياحات والحروب بكل أسلحة الدمار الشامل على المخيمات والمدن والقرى والمحافظات الفلسطينية في قطاع غزة وجنين ومخيمها ونابلس ومخيماتها واريحا ومخيماتها ورام الله والبيرة ومخيماتهما والخليل ومدنها ومخيماتها وسلفيت وطولكرم ومخيمها وطوباس وبيت لحم ومخيماتها.
إذاً القائم بإعلان الحرب على الشعب، هو الاحتلال الاستعماري وأدوات قهره العسكرية والاقتصادية والقانونية والثقافية والتربوية والفنية والدينية، وهو من يستبيح مصالح وحقوق المواطن الفلسطيني وابسط حقوقه السياسية والإنسانية، ولا يقيم وزنا لأية معايير قانونية او أخلاقية او قيمية، وداس عن سابق عمد وإصرار كل تلك المعايير متحديا العالم وقرارات الشرعية الدولية، وضرب عرض الحائط بركائز السلام الممكن والمقبول، رغم التنازلات التاريخية التي قدمتها منظمة التحرير الفلسطينية لصالح تحقيق تسوية سياسية تؤمن الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني.
وعليه، فإن الشعب العربي الفلسطيني وقواه الحية وفصائله الوطنية بسمة عامة، رغم تبنيهم عموما خيار الكفاح الشعبي منذ الانتفاضة الكبرى/ ثورة كانون 1987، الا ان دولة التطهير العرقي الإسرائيلية لم تتورع عن استخدام كل أسلحة الموت الإسرائيلية ضدهم، ومع ذلك، تحملت قطاعات المجتمع كل الانتهاكات وجرائم الحرب على امل ان تفتح عملية التسوية الافاق نسبيا امام الحل السياسي، وأقرار حكومات إسرائيل المتعاقبة بالحقوق السياسية والقانونية الفلسطينية، وتقبل بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني فوق ترابه الوطني الام. لكن الحكومات كافة ادارت الظهر لخيار السلام، ونكثت بالاتفاقات المبرمة، وواصلت عمليات الاستيطان الاستعماري والتهويد والمصادرة للأراضي والبيوت والمقابر والتراث والموروث الحضاري، وحصر تقرير المصير على فلسطين التاريخية لليهود الصهاينة لقطاء ومرتزقة المشروع الكولونيالي وفق ما تضمنه "قانون القومية الأساس للدولة اليهودية"، الامر الذي افقد المواطن الفلسطيني الامل بإنجاز سياسي، ودفعه لاعادة نظر في وسائل الدفاع عن الذات، حماية لنفسه الإنسانية والمصالح الوطنية عموما.
وعود على بدء، فإن المقاومة الشعبية لم تقتصر في الانتفاضة الكبرى على جانب المواجهة مع قوات الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية في المدن والقرى والمخيمات، وان كان هذا الأسلوب الأكثر حضورا وتعبيرا عن تحدي إرادة العدو الإسرائيلي. لانها شملت عناوين مختلفة، منها: التعليم الشعبي، والزراعة، والتكافل المناطقي والمديني، وحل النزعات البينية بين أبناء الشعب، واعتماد المحاكم الشعبية، ومقاطعة بضائع المستعمر الصهيوني ,,الخ
وعليه فإن المقاومة الشعبية المطلوبة الان تتمثل في العناوين التالية: أولا المقاومة الشعبية المنظمة على خطوط التماس مع المستعمرات وعلى الأراضي المهددة بالتهويد والمصادرة، ولكن وفق خطة وطنية شاملة تشمل، قيادة وطنية موحدة، خطة عمل وطنية مركزية تنبثق عنها خطط فرعية في المحافظات والمدن والقرى والمخيمات، وتتكامل فيها قطاعات المجتمع المختلفة؛ ثانيا وضع خطة وطنية لبناء الاف الوحدات السكانية والمدارس والجامعات لابناء الشعب في المنطقة المصنفة (ج) حتى لو هدمها المستعمر الصهيوني، وفتح معركة فرض السيادة على الأرض، واسقاط معايير التمييز بين المناطق (أ، ب، ج) والاستناد لاعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين كدولة مراقب عام 2012، ولقرار مجلس الامن 2334 الصادر نهاية عام 2016؛ ثالثا إقامة مزارع تعاونية على المناطق (ج)، وعدم السماح لقطعان المستعمرين بمصادرة الأراضي في تلك المنطقة نهائيا، وتصعيد المواجهة مع حركة الاستيطان الاستعماري بكل اشكاله؛ رابعا مقاطعة السلع والبضائع الإسرائيلية تدريجيا، وتطوير العملية من خلال خطة وطنية واضحة ومحددة؛ خامسا زيادة الاستيراد من الدول الشقيقة والصديقة وفق برتوكول باريس؛ سادسا ارغام إسرائيل على الجلوس لتغيير الغلاف الجمركي، وكل منظومة برتوكول باريس؛ سابعا محاربة السماسرة الفلسطينيين، الذين يروجون للبضائع والمصالح والشركات الإسرائيلية، وشن حملة وطنية واسعة لتطهير القطاعات المختلفة من زمر الفساد والمتاجرة بحقوق ومصالح الشعب؛ ثامنا تنظيم فعاليات وطنية في المناطق (ج) في مناسبات وطنية مختلفة لفرض الوقائع على الأرض،؛ تاسعا إعادة احياء قرى ومجمعات عين سامية والواد الأحمر ورأس التين والبقعة وحمصة وغيرها، التي هجر الاستعمار الإسرائيلي سكانها باساليب خبيثة ومفضوحة.
كفى من يريد المقاومة الشعبية ليشمر عن اذرعه الوطنية ويشرع بتجسيد المقاومة المنشودة، فهل نحن فاعلون؟
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها