الكاتب: يامن نوباني 

على هامش ملتقى فلسطين السادس للرواية العربية، الذي عُقد في الفترة ما بين 10-13 تموز الجاري، في مدن رام الله ونابلس والخليل وبيت لحم وجنين، التقت عدداً من الكتاب العرب المشاركين، لأخذ انطباعاتهم عن زيارتهم الأولى لفلسطين وأثرها فيهم.

ضيف فلسطين محمد ميلود غرافي، وهو شاعر وروائي ومترجم مغربي مقيم في فرنسا قال عن هذه الزيارة التاريخية:

هذه أول مرة أزور فلسطين. مررت عبر الأردن رفقة الصديق المبدع حبيب سروري، ولم نُقضِ بها سوى ليلة واحدة من شدة لهفتنا واشتياقنا إلى زيارة فلسطين الحبيبة. كنا مستعدين لإكراهات العبور، لأننا أردنا أن نقف بأم أعيننا على بعض ما يعيشه الفلسطينيون من ألم بسبب الممارسات اللاإنسانية على الشعب الفلسطيني.

مر كل شيء على ما يرام في معبر الملك حسين. وحين وصولنا إلى المعبر الإسرائيلي، انتظرنا لفترة طويلة في الباص. كان الطابور طويلا نسبيا، فلاحظت ابتداءً من هنا انقسام هذا العالم الجديد علي إلى قسمين: عمال الحقائب فلسطينيون، والذين يعطون الأوامر إسرائيليون.

خرجنا من المعبر سالمين، لكن لاحظنا عجرفة الموظفين الإسرائيليين، استقبلنا بعد الخروج من المعبر المحامي فؤاد نقارة، رئيس نادي حيفا الثقافي الذي ذهب بنا مباشرة إلى يافا.

في هذه المدينة الساحرة، استقبلنا الكاتب عبد القادر سطل، وهو بحق ذاكرة يافا بامتياز. يعرف دروبها وحاراتها بكل تفاصيلها التاريخية والراهنة. فأدخلنا إلى عوالمها الحضارية والثقافية.

ومن يافا ذهبنا إلى حيفا حيث كان للصديق نقارة مرة أخرى فضل كبير علينا، لأنه قاطن بها ويعرف هو أيضا تاريخ المدينة ومعالمها وآلام سكانها الفلسطينيين.

شخصيا، كان حلمي كبيرا في زيارة حيفا زيارة واقعية، لأن الزيارة الافتراضية أو التخيلية حدثت منذ أكثر من ثلاثين سنة، فعندما كنت بسنة الباكالوريا بالمغرب، كانت رواية غسان كنفاني مقررة في دروس الأدب، فحولتُها إلى مسرحية لعبت فيها دور سعيد وطُفنا بها جميع الأقسام. منذ ذلك الحين وأنا أتمنى زيارة حيفا. منذ أيام صار الحلم واقعا. لكن المدينة التي سحرتني أكثر هي عكا. وجدتها كما كانت على طول التاريخ، "مدينة عصية على الاحتلال" كما ظل يقول لنا فؤاد نقارة وهو يتجول بنا في أحيائها القديمة وقلاعها ويُدخلنا إلى مرسم الفنان وليد النقاش الذي وجدتُ في أعماله ومرسمه المفتوح على الحارة تعبيرا قويا عن مقاومة الاحتلال عبر الفن أيضا.

وأضاف: زرنا أماكن أخرى في ما يسمى بالداخل كالناصرة وطبريا وبعض القرى التي هُجر منها سكانها الفلسطينيون وحل محلهم مستوطنون يهود. وفي الطريق إلى كل مدينة أو قرية، تستوقفنا مشاهد المستوطنات وحراسها من الجيش الإسرائيلي. المنظر يدعو إلى الإشفاق والسخرية من هؤلاء المستوطنين ومن العسكري الإسرائيلي الواقف كالصنم عند كل بوابة. إلى متى سيظلون يختفون هكذا خلف أسوار وأسلاك؟ كلما رأيت مستوطنة محاطة بسور بائس، قلت: أنفسَهم يَسجُنون. في الضفة الغربية، وقفنا على معاناة الفلسطينيين في التنقل بين مدنهم وقراهم، وأدركنا بالملموس أن الزمن الفلسطيني لا يقاس بالمسافات بل بأبعاد سيكولوجية تفرضها أساليب التضييق التي تمارسها عليهم سلطات الاحتلال في نقاط التفتيش والمراقبة، وبشكل خاص في مراكز العبور إلى القدس أو الأردن.

لمسنا عن قرب كل هذه المعاناة وذُهلنا في الوقت نفسه من الصمود وأشكال المقاومة المتعددة التي يبدعها الفلسطيني لمواجهة الحصار والتضييق عليه.

وختم غرافي: أعود إلى فرنسا محملا بصور ومشاهد واقعية. لدي الكثير مما سأحكيه للفرنسيين الواقعين تحت تأثير الدعاية الصهيونية في وسائل الإعلام الفرنسية. وأعود مشحونا أيضا بالكثير من الأسئلة والمشاهد والتفاصيل الصغيرة التي ستأخذني حتما إلى نصوص شعرية جديدة مستوحاة من رحلتي هذه التي أعتبرها من أجمل رحلاتي وأقواها.  فالشكر موصول إلى وزارة الثقافة الفلسطينية التي وجهت إلي دعوة للمشاركة في الملتقى السادس للرواية العربية، وإلى كل الطاقم الذي سهر على إنجاح هذا الملتقى منهم، خاصة كل الشباب الذين رافقونا في تنقلنا وسهروا على خدمتنا بكرم ونبل وعطف فلسطيني باذخ.