اجتمعنا في مجموعة من الكادر الفلسطيني الحركي للنقاش في مآلات الانقلاب على قطاع غزة عام 2007 وكان في اللقاء الكثير من الأفكارالهامة، ودعني افتتح بالتالي:

وقع الانقلاب الأسود (15/6/2007) الذي أسمته "حماس" المزهوّة حينها ب"الحسم العسكري"! وسالت الدماء الغزيرة بين الأخوة، ولمّا يمر على اتفاق مكة فترة قصيرة (8/2/2007م) في نقض واضح للعهود أو ما كما عبّر عنه د.محمود الزهارحينها بعد "الانتصار" في ندوة له "اتغدّينا فيهم قبل ما يتعشّوا فينا".

أو وفق قول كبيرهم على المنبر في قطاع غزة "إذ مددت يدك لي لتصافحني لن يكون ردي أن أقطع يدك، بل سأقطع رأسك"!؟ في معارضة للآية الكريمة "لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين-المائدة 28"، بل ومعارضة لأحد القادة المسلمين في التاريخ الذي هدّد إن امتدت يد أحدهم له بالسوء سيقطعها، فما كان من المتعصب منفوخ الأوداج المزهو بانتصاره على أخيه أن قال بمبالغة ونزق: سأقطع رأسك!؟

واليك الشعار المرعب الذي رفعه أحد الحاقدين قائلًا: "قتلانا في الجنَّةِ وقتلاكُم في النَّارِ" في إشارة فاقعة لفسطاط (معسكر) الإيمان مقابل معسكر الكفر دون تبيان أصبح جليًا في قياس ومقاربة -لا تجوز مطلقًا- للحوار الدائر بين عمر ابن الخطاب (رض) ممثلًا عن المسلمين وبأمر الرسول صلى الله عليه وسلم مقابل أبوسفيان حينها ممثلًا عن المشركين في غزوة أحد!

وإلى ما سبق أضيف للبُعد الديني المقدس هذا لأصحاب الجنة الموهومة لهم فقط صفة أصحاب "محور المقاومة والممانعة"، الحصريين دون غيرهم! بمعنى أن المقاومة والدين أصبحا مرتبطين كما أراد هؤلاء بفصيلهم فقط، وانطلى على الناس دهرًا طويلًا ما تلاشى مع الأيام حيث لا علاقة للجنة والنار بما يحدث، ولا علاقة للمقدس بالمدنس في قتال الأشقاء، ولا مقاومة لفصيل دون غيره. والشعب العربي الفلسطيني بمجمله في كل أماكن تواجده يخوض نضاله ومقاومته ضد العدوانات الصهيونية التي لا تتوقف في القدس وغزة والضفة، دون إرادة الفصيل المقدس أو غيره.

طُفنا العواصم العربية من أجل المصالحة فتقدمنا أحيانًا وتراجعنا أكثر. وكل اتفاق يتم نقضه، ليعاد البحث من السطر الأول، ويبرز الاتفاق ضمن مطالبات جديدة وضمن استدراكات وتوضيحات وتبسيطات وتعقيدات! وكلٌ يتهم الآخر، ومازال المسلسل مستمرًا، فلم تنفع الأيادي المتشابكة في غزة او القاهرة أو الجزائر لتقرر نهاية النزيف.

ومن خلاصات اللقاء كان التالي هو الواقع القائم اليوم على شكل نقاط:

1- لدى "حماس" سقط الفكر النضالي الوحدوي عامة، كما سقط لديها على مدار 16 عامًا الفكر الديمقراطي في منطقة سيطرتها بالقطاع.

2- يتم تدريحيًا إسقاط البندقية لمصلحة استعادة مقترح"هدنة" أحمد ياسين التي أعلنها لمدة20 عامًا، عام 1997 وهي اليوم قد انتهت وتجاوز الأمر موعدها! بسنوات.

3- تعملق لدى "حماس" الفكر السلطوي وتقبيل الكراسي كما حصل لدى نظرائهم في الشمال الذين علّموهم ذات الأمر، فأصبحوا معًا في دائرة الوظيفيّة على حساب النضالية، والارتباط بالإسرائيلي على حساب الفلسطيني.

4- بالفعل على أرض الواقع تقوم "حماس" بتجاوز منظمة التحرير الفلسطينية. لاسيما ومطالبات خالد مشعل بتشكيل ما يتجاوز التنظيمات دون إشارة أو قصد أنه منظمة التحرير الفلسطينية.

5- تقع "حماس" تحت تأثير حالة من الضعف الحراكي تحت وطاة الظروف الحياتية للجماهير (فقر، هجرة، عمل بالداخل،...أمور كارثية أخرى) مقابل المساعدات الخارجية والتي لكي يعيش الناس يجب استثمار الإتاوات بعيدًا عن خزينة السلطة الوطنية، وانتظار الحقيبة القادمة عبر تل أبيب.

6- إن المخطط الخارجي القائم حاليًا هو إعطاء الضفة بمجملها للإسرائيلي، ليفعل بها ما يشاء، في ظل تحييد إمارة غزة بالهدنة أو التهدئة.

7- إن التبني الامريكي الواضح لكل ما تقوم به الحكومة الفاشية الإسرائيلية يعني بعيدًا عن الشعارات الأمريكية الفارغة بحل الدولتين! أن المستعمرات قد أهديت لليمين الفاشي كليًا ليقيم دولته بالضفة فيها، والله يرحم استقلال الدولة الفلسطينية.

8- يأخذ طرح الدويلة أو الإمارة أوأي كان المسمى بُعده التنظيري والعملي بالتعامل السلطوي لحكام القطاع مع العالم، وهو التعامل المنفصل كليًا بعيدًا عن السلطة الوطنية الفلسطينية ما يعني القناعة التامة أن لا أمل بالضفة. و"لا أمل لنا بالسلطة فلنا سلطتنا".

9- من الواضح أن هناك ضعف مفاهيمي في نطاق السلطة الوطنية الفلسطينية التي لا تجد الرّد الحاسم، أو حتى المقبول على انهيارات الجبهة الوطنية وانفصال غزة، بافتراض أنها تتمثل بكل من الشمال والجنوب داخل الوطن.

10- إن عامل الصراعات الداخلية في داخل كل تنظيم ومنه في "فتح" وفي "حماس" يرتبط بمحاولة التوفيق أو التفريق بين خط السلطة والحكومة والاستقرارو1967 مقابل الثورة أوالمقاومة واللاستقرارو1111. ومن الواضح أن خط الاستقرار بدأ يفوز بالرغم من آثاره الجانبية المميتة.

11- إن المآلات توضح أن الحل الاقتصادي عبر الفتات هنا وهناك قد أصبح سائدًا ليتجاوز فكرة المصالحة، ويتجاوز فكرة الدولة الفلسطينية، ويتجاوز فكرة الوحدة الوطنية، فيفوز اللاعب المتسيد أي الدولة الإسرائيلية، ليس في فلسطين وفصل الشعب فقط وإنما أيضًا في استتباع المحيط العربي البائس.

12- في النقطة الأخيرة افترض المتحاورون أنه لن تعود أمور العالم كما كانت بتاتاً بعد حرب أوكرانيا، وافترضوا بالمقابل ضرورة وجود استراتيجية لا نعلم تفاصيلها لكنها بادية من التحركات القيادية بالاتجاه الصحيح من الرئيس أبومازن سواء في المحيط العربي والعالمي، أوعبر الصين اللاعب الرئيس القادم على خريطة العالم والمعادل للمهيمن الأمريكي..أو ربما نأمل أن تكون، وفي تأكيد لا بد من التاكيد عليه أن الهدف يجب أن يظل أن فلسطين هي البوصلة لا الفصيل أيّ كان، وأن لا حل إلا بمد اليد دون قطعها أوالتمادي بقطع الرؤوس!