تداهم سلطات حكومة الصهيونية الدينية في دولة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني العنصرية (إسرائيل) القدس بما فيها من المقدسات المسيحية والإسلامية، بعمليات تهويد مبرمجة، تنفذ بالتدرج، وبدون ضجيج، والمسجد الأقصى الذي تنتهك حرماته بطقوس المستعمرين التلمودية يوميًا، ليس حاضرًا في ملف مفاوضات قيادات حماس على صفقة ايقاف النار وتبادل الأسرى، رغم إطلاقهم  مسمى "طوفان  الأقصى" على عملية  7 أكتوبر 2023.

فالمسمى كان متسقًا مع منهج فرع جماعة الإخوان المسلمين المسلح في فلسطين، في تغليف أعمالها بمسميات إسلامية، ومنحها مصطلحات دينية مقدسة عند عامة المسلمين، بقصد التغطية على غاياتها، وأهدافها الحقيقية، فقادة حماس بعد إحراقهم ورقة الأقصى، ومحو ذكرها على ألسنتهم وفي بياناتهم، تراهم مشغولين الآن في كيفية اقناع رئيس حكومة الصهيونية الدينية نتنياهو لإبقاء سيطرتهم على قطاع غزة، إن ما زال معنيًا بمنع قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران، في الضفة بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، وإذا كان معنيًا فعلاً بألا يعود القطاع إلى ولاية حكومة السلطة الوطنية الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، ودولة فلسطين، كما كان قبل انقلاب حماس المسلح الدموي سنة 2007.

ولا نبالغ إذا قدرنا أن قادة حماس قد منحوا تطمينات لوفد نتنياهو المفاوض، بأن ملف انتهاك المستعمرين للمسجد الأقصى المبارك، والمساس بالمقدسات، قد أحرق مع الحطب بموقد الشتاء.  وأنهم معنيون بتأمين قياداتهم الموجودة على الأرض، وفي الخارج أيضًا، والحفاظ على قدرات تمكنهم من الاستمرار كسلطة أمر واقع، مع إدخال وجوه جديدة، تحت مسميات تبدو وطنية، لكنها خالية من المضمون والقيم، وحتى من شهادات السجل العملي، فهؤلاء جميعًا، معنيون بتقاسم كعكة "اليوم التالي" مع حماس في قطاع غزة، وبذات الوقت يشتغلون على تخريب أركان السلطة الوطنية الفلسطينية، وتعميم الفلتان الأمني في الضفة الغربية، عبر عصابات الخارجين على القانون.

فهؤلاء يبحثون في العواصم عمن يتبناهم، كبدائل عن السلطة الوطنية الفلسطينية، أما منظومة الاحتلال (إسرائيل) فتجد فيهم ضالتها، ذلك أن ألسنتهم معقودة، لا يتحدثون عن الثوابت الوطنية، ومنها وعلى رأسها الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، ولا المقدسات، ولا الأقصى، ولا حرية الأسرى، ولا عن حق العودة، فالأهم بالنسبة لهؤلاء إسقاط إنجازات القيادة الفلسطينية، والتشكيك بمنهج سيادة الرئيس محمود عباس "أبو مازن" السياسي، رئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، ورؤية اليأس والإحباط مستوطنًا في عقلية وذهن المواطن الفلسطيني، ومخدوعًا بشعاراتهم المماثلة لفقاعات الصابون، لامعة وجميلة لكنها فارغة، لا تقوى على تحمل أدنى صدمة.

القدس تقتحمها المستوطنات، وأحوال العيش تضيق الخناق بصعوباتها المادية، على مواطنيها الفلسطينيين العرب التاريخيين الأصليين، وتفرض قوانين وقرارات سلطة الاحتلال على مؤسساتها التعليمية والصحية، وتحاصر التجارية بأوضاع أمنية مفتعلة، والضفة الغربية تقطع أوصالها المستعمرات والحواجز والحملات العسكرية، وتهدد بعض مدنها كجنين ونابلس ومخيماتهما بمصير مشابه لبيت حانون وبيت لاهيا في شمال قطاع غزة.

أما حملة الإبادة الدموية وذروتها في القطاع، فإنها ما كانت إلا لإجبارنا على إبعاد أبصارنا واهتمامنا عن مركز وجوهر الحق الفلسطيني (القدس العربية الفلسطينية ومقدساتها)، لكن رغم اعتقادنا وإيماننا أن نفس الإنسان هي الأقدس، إلا أن القدس بما يعنيه ارتباط مصيرها بمصيرنا ووجودنا على أرض وطننا التاريخي والطبيعي فلسطين، فإنها ستبقى مقدسة، كما نفس الإنسان الفلسطيني، وهذا ما يجب أن يفهمه قادة حماس، حتى لا يمنحوا لحكومة الصهيونية الدينية الذرائع في الضفة والقدس للإجهاز على ما تبقى من الوطن، كما منحوها الذريعة في السابع من أكتوبر 2023 للإجهاز على جزء مقدس لا يتجزأ منه قطاع غزة.