كان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي (2022) في ال30 من تشرين 2 / نوفمبر بالاعتراف بالنكبة الفلسطينية، وإحياء ذكراها سنويًا في الخامس عشر من أيار / مايو يعتبر خطوة مهمة، انتزعتها الديبلوماسية الفلسطينية، رغم محاولات إسرائيل والولايات المتحدة ومن لف لفهم باسقاط هذا الاعتراف، ليس هذا فحسب، بل أن سفير دولة التطهير العرقي الإسرائيلية مع شركائه في الحركة الصهيونية ومنظمة إيباك والإدارة الأميركية وبعض دول الغرب الرأسمالي حاولوا إفشال وإلغاء إحياء الأمم المتحدة لذكرى النكبة من خلال الضغط على ممثلي الدول لعدم المشاركة.
ولكن عملهم التخريبي باء بالفشل، ليس هذا فحسب، إنما ساهم بإبراز وكشف أهمية وقيمة المناسبة، إحياء الذكرى ال75 للنكبة الفلسطينية وبمشاركة سيادة رئيس دولة فلسطين، محمود عباس، التي جرت أمس الموافق الخامس عشر من أيار/ مايو، واقترنت بتقديمه مرافعة تاريخية هامة، هي ليست الأولى، بل يمكن التأكيد، أن سيادة الرئيس أبو مازن شارك عشرين مرة أمام الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي، وكانت لمرافعاته السياسية والقانونية أهمية كبيرة في فضح وتعرية هوية ودور دولة إسرائيل الخارجة عن القانون، وبإماطة اللثام عن دور الولايات المتحدة وحليفتها الانكلوسكسونية بريطانيا في التأصيل لإقامتها وإنشاءها لغايات استعمارية وللتخلص من دوامة المسألة اليهودية، ولاستخدام اليهود الصهاينة كاداة وظيفية لخدمة المشروع الاستعماري الغربي لنهب ثروات شعوب الامة العربية، وتعطيل نهوض حركة التحرر الوطني العربية، وليس احتلال فلسطين وطرد شعبها من أرض وطنه الأم من خلال مشروع كولونيالي فريد ومركب يقوم على ركيزتي الاجلاء للفلسطينيين العرب واحلال اليهود الصهاينة مكانهم، وتقديم كل أشكال الدعم المالي والاقتصادي والعسكري والأمني واللوجستي لبقاء وديمومة الدولة اللقيطة، التي مازال الاعتراف الأممي بها مقرونًا بتطبيقها القرارين الدوليين 181 و194.
كما وأكد على أن النكبة الفلسطينية لم تبدأ العام 1948، لا بل قبل ذلك، ومازالت النكبة وفصولها تتوالى بإشكال إجرامية مختلفة ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني، وكشف عن سلسلة المذابح والمجازر التي نفذتها العصابات الصهيونية عشية النكبة وزادت عن خمسين مجزرة، وأعاد التأكيد على أن جرائم المحتلين الصهاينة تستهدف المقدسات الإسلامية والمسيحية دون تمييز، وفي السياق كشف للحضور الأممي عن أن المسجد الأقصى بمساحته 144 دونمًا بما في ذلك حائط البراق، هو ملك للفلسطينيين والمسلمين وفق قرار اللجنة الأممية التي شكلتها عصبة الأمم عام 1930، وركز على ضرورة وأهمية منح الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير أسوة بشعوب الأرض، وتأمين حق العودة الكامل على أساس القرار 194، واستقلال دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية بعد طرد الغزاة المستعمرين الصهاينة، وتأمين الحماية الدولية وفقًا للقرارات ذات الصلة التي أقرتها الجمعية العامة ومجلس الأمن ولجنة حقوق الانسان الأممية، وطالب عباس الأمم المتحدة تطبيق قرار أممي واحد من مجمل القرارات الدولية التي قاربت على الألف قرار.
وتكمن أهمية المرافعة لسيادة الرئيس أبو مازن أمس الاثنين الموافق 15 أيار / مايو التي استمرت ساعة كاملة تقريبًا، كونها المرة الأولى التي تتم فيها إحياء ذكرى النكبة الفلسطينية في هيئة الأمم المتحدة، ولما حملته المرافعة من تبيان للحقائق، وفضح لعمليات التزوير الصهيو أميركية، ولطرحه أوجه النكبة الفلسطينية بجذورها التاريخية، وأسبابها وتداعياتها، وإخطارها على الشعب الفلسطيني وعلى الوطن العربي والإقليم والعالم، وبتأكيد عباس بالبقاء والتجذر في الوطن الفلسطيني مهما كانت التضحيات، وبكشفه كذبة "استقلال" دولة إسرائيل؟ وتساءل عن من استقلت إسرائيل الاستعمارية؟ التي أنزلها البريطانيون والأميركيون والغرب الرأسمالي عمومًا بالبارشوت على الأرض الفلسطينية، وبفضحه نصوص وعد بلفور الانكلوسكسوني، وغيرها من الأكاذيب، بتعريته قوانين التطهير العرقي والتمييز العنصري الإسرائيلية النافية كليًا للحق الفلسطيني العربي بتقرير المصير على أرض وطنه الأم، كما وطالب الأمم المتحدة بتعليق عضوية دولة الاستعمار الإسرائيلية لأنها لم تنفذ القرارين الامميين 181 و194.. الخ، كما تتميز أهمية المرافعة العباسية يحضور ومشاركة ممثلي العشرات من الدول الأعضاء والمنظمات والهيئات الدولية ومنظمات المجتمع المدني، وأيضًا بإلقاء العديد من ممثلي المنظمات والدول كلمات مؤيدة وداعمة للشعب العربي الفلسطيني في كفاحه التحرري. أضف إلى كونها أرفقت بوثائق من الأمم المتحدة وقبلها من عصبة الأمم.
في التاريخ هناك محطات هامة في مسيرة كفاح الشعوب والزعماء، وأعتقد أن مرافعة سيادة الرئيس عباس أمس، رغم أنها ليست جديدة بالمعنى الدقيق للكلمة، إلا أنها تعتبر وثيقة تاريخية، وهناك مرافعات سابقة له في الأمم المتحدة منها مرافعة رفضه صفقة القرن الترامبية امام مجلس الأمن، وأمام دورة المجلس الوطني ال23 عام 2018، ومرافعاته أمام المجلس المركزي بالإضافة للمرافعتين اللتين ألقاهما الرئيس الراحل الرمز ياسر عرفات الأولى التي القاها عام 1974 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والثانية بإعلان وثيقة الاستقلال في المجلس الوطني عام 1988.
وبرأي أن إحياء الذكرى ال75 للنكبة الفلسطينية في الأمم المتحدة سيكون لها ما بعدها من تداعيات دولية، وتعتبر محطة فاصلة بين تاريخين إن أحسنا التعامل مع مخرجات المرافعة الفلسطينية أمس.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها