سارع رئيس حكومة منظومة الاحتلال والاستيطان الاستعماري العنصرية بنيامين نتنياهو قبل أيام، للتباكي على شابتين وأمهما –قبل أن تفارق الحياة أمس الإثنين- سقطتا عند مفرق الحمراء في الأغوار الشمالية، تباكى وهو على يقين أنه وكل رؤساء حكومات المنظومة ورؤوس المنظمة الصهيونية منذ إنشائها مسؤولون مباشرة عن روح كل يهودي اقتلعوه من وطنه الأصلي في قارات الأرض، وأتوا به إلى فلسطين ليكون جنديا أو مستوطنا، ما يعني وباليقين القانوني أن رؤوس المنظمة الصهيونية ورؤوس مشروع تهويد -فلسطين التي هي الوطن الحق التاريخي والطبيعي للشعب الفلسطيني- هم المسؤولون أولا وأخيرا عن جرائم سفك دماء المواطنين الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين، والمستوطنين والجنود الإسرائيليين، فنتنياهو يعلم جيدا أن تهجير أصحاب الأرض الأصليين والاستيلاء على ممتلكاتهم أو الاستيلاء بقوة السلاح على أراض رسمية للدولة المحتلة، ونقل مدنيين تابعين للقوة القائمة بالاحتلال إلى أراضي دولة محتلة، وتوفير مقومات استيطانهم فيها، فعل مخالف للقانون الدولي حسب المادة 49 من ميثاق جنيف الرابعة لسنة 1949 التي من نصها: "لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها".
الشعب الفلسطيني المتسامح، استقبل اليهود الهاربين من الاضطهاد العنصري في أوروبا، ولم يكن على دراية كافية بالمشروع الاستعماري الدولي المهيأ والمبرمج، وبمنح المنظمة الصهيونية
الضوء الأخضر باستخدام كل أشكال جرائم الحرب والجريمة ضد الإنسانية لتنفيذه وتجسيده على الأرض، ولكن الوعي المبكر وإدراك أبعاد توجيه اليهود الهاربين من جحيم أوروبا عموما، وألمانيا النازية فيما بعد، كان مبررا مشروعا للشعب الفلسطيني لمقاومة الاستيطان الذي كان قد بدئ بوضع أساساته النظرية منذ سنة 1880 عندما نشر عضو البرلمان الإنجليزي آنذاك لورنس اوليفانت كتابا تحت عنوان "أرض جلعاد" حيث اقترح إنشاء مستوطنة يهودية شرقي الأردن، شمال البحر الميت، لتكون تحت السيادة العثمانية بحماية بريطانية.. كخطوة عملية لتخليص الحضارة الأوروبية من اليهود، وليس العكس كما رُوِّجَ ! وكذلك ساهمت عمليا الأميركية كلواندا مانيور الثرية عندما استطاعت شراء مساحات من الأراضي الفلسطينية، ووهبتها لإنشاء مستوطنات يهودية، لكن من المفيد النظر إلى أبعد من ذلك في عمق التاريخ لنجد أن فكرة الاستيطان اليهودي في فلسطين، جسدها الدنماركي أوليغربولي عام 1695م، الذي أعد خطة لجعل فلسطين مكانا لاستيطان اليهود، وسلمها إلى ملوك أوروبا، ثم اقترح نابليون بونابرت إمبراطور فرنسا 1799، إنشاء "دولة يهودية" في فلسطين أثناء حملته الشهيرة على مصر وسوريا، لكنه انهزم عند أسوار عكا!.. وقبل حوالي 27 سنة من أول مؤتمر للمنظمة الصهيونية، أي في سنة 1870م، أنشئت مسـتوطنة (مكفا إسرائيل) في لواء القدس، كأول مستوطنه يهودية في فلسطين – حسب مؤرخي الاستيطان اليهودي الإسرائيليين.
بهذه النظرة السريعة على تاريخ جريمة الحرب والجريمة ضد الإنسانية المزدوجة: تهجير اليهود من أوطانهم الأصلية، واستخدامهم كجنود في جبهة خلفية لحملاتهم ومشاريعم الاستعمارية، واستخدامهم في الوجه الآخر كقوة بشرية عسكرية للاحتلال والاستيطان مغلفة بطابع مدني وإحلالهم على أرض وطن الشعب الفلسطيني، كمكافأة على جرائمهم الدموية ومجازرهم بحق الشعب الفلسطيني في المسار الأول.. وفي المسار الآخر منح المستوطنين الإرهابيين شرعية رسمية إسرائيلية وغطاء قانونيا، ومنحهم (سلطات دويلة ميليشيات) إرهابية تحت مسمى (الحرس الوطني)، لتصعيد همجيتهم الدموية بحق الشعب الفلسطيني، وحملاتهم لتهويد المقدسات وطمس معالمها وطابعها العربي الفلسطيني الإنساني.. فتعذيب الأسرى أو إساءة معاملتهم وإعدامهم، والعدوان على المدنيين والتعذيب والإبادة الجماعية جرائم حرب، أما الإرهاب والاستبعاد، والاعتقال والاضطهاد لأسباب سياسية أو دينية أو عرقية، فردية كانت أو جماعية كالتي تمارسها منظومة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، ممهورة بجرائم قتل وتهجير وإبادة (إحراق المستوطنين لعائلات وأفراد وهم أحياء) فهذه جرائم ضد الإنسانية، وذلك حسب المعاهدات والقوانين الدولية.
بات واجبا على المجتمع الإسرائيلي الراغب حقا في السلام إجراء مراجعة عامة، ووضع النقاط على الحروف، ولم يعد مفيدا المناورة واختلاق الأعذار، فالإشارة المباشرة وتركيز الدوائر الحمراء على أسماء ومنظمات وقوى ودول تعتبر المسؤول الحقيقي التاريخي والحالي عن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، والإقرار بحق الشعب الفلسطيني التاريخي والطبيعي في أرض وطنه، وأن ملايين اليهود في العالم كانوا مجرد أدوات لمؤامرة استعمارية دولية، هو السبيل لتعليم أجيالهم معنى الانتماء لأوطانهم الأصلية، وأن انتماء الشعب الفلسطيني لأرضه المقدسة لن تقوى قوة في العالم مهما بلغ جبروتها إضعافه أو قطع جذوره، فقضية الاستيطان التي اعتبرتها الصهيونية روح مشروعها الخادم لقوى الاستعمار العالمية، فإنه بالنسبة للشعب الفلسطيني جريمة مستمرة فعليا منذ مئتي سنة لا بد من الإقرار بها، ومسح آثارها، ودفع الثمن للضحايا، ولا نقصد هنا المال وحسب، بل الأهم وهو جلاء كامل عن أرض دولة فلسطين، واحترام حق الشعب الفلسطيني بقيام دولته المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس، كحل التقت عليه الشرعية الدولية التي منحت هذا الشعب أيضا حق حماية نفسه من (دولة الجرائم) بالوسائل المشروعة في القانون الدولي، على رأسها المقاومة الشعبية السلمية..
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها