في العلاقات البينية الأميركية الإسرائيلية تشابكات عميقة ترتبط بنشوء الدولة اللقيطة، والوظيفة الموكلة لها، وكلاهما وثيق الصلة بالمصالح الحيوية الأميركية، وعلى أهمية اللوبي الصهيوني في التأثير على الروابط بين القيادتين والدولتين، الا ان هناك تضخيما لدوره يتجاوز أحيانا الناظم الأساس للعلاقة المشتركة، وهو المصالح الحيوية الأميركية، التي تعتبر أولا.. وعاشرا. وعطفا على ذلك، تحرص الإدارات الأميركية والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على القفز في لحظات الافتراق وتناقض الحسابات بين المركز والمحيط على الابتعاد عن المس بالمرتكزات الاستراتيجية للعلاقة المشتركة.
وكما هو معلوم، ان العلاقة ما بين الإدارات الديمقراطية وخاصة اداراتي أوباما، الرئيس الأميركي الأسبق، والرئيس بايدن الحالي مع شخص نتنياهو، رئيس الحكومة السادسة يشوبها التوتر، وعدم الرضا. وزاد رئيس حكومة الترويكا الفاشية الطين بلة منذ توليه مهامه نهاية العام الماضي، وخلال الشهور الثلاثة الماضية والاندفاع مع حلفائه من زعران الفاشية الصهيونية الجديدة للانقلاب على السلطة القضائية الاستعمارية في إسرائيل، مما فاقم من التباعد بين الإدارة الديمقراطية وحكومة غلاة التطرف الإسرائيلية، حتى ان يئير نتنياهو، ابن رئيس الحكومة صرح متهما إدارة بايدن ب"التآمر على الحكومة الإسرائيلية، وتمول مظاهرات المعارضة"، مما استدعى نائب الناطق باسم الخارجية الأميركية الرد على نتنياهو الابن، ونفي اتهامه.
المهم في اعقاب اقالة نتنياهو وزير الجيش يوآف غالانت مساء الاحد الماضي الموافق 26 آذار/ مارس الحالي، وخروج المتظاهرين للشوارع بمئات الالاف، وإعلان الهستدروت والجامعات والمطار والمئات من قوات النخبة في الاحتياط ووحدة السايبر 8200 عن انخراطهم في الإضرابات والمظاهرات، تراجع رئيس الوزراء خطوة للوراء، مع تجميده التشريعات الانقلابية، وابدى الاستعداد للحوار مع المعارضة، في خطوة تكتيكية للالتفاف على المعارضة والضغوط الخارجية ولترتيب أوراق المواجهة مع كل الخصوم بعد بدء الدورة الصيفية للكنيست. الامر الذي دفع السفير الأميركي في إسرائيل، توم نيدس للتصريح يوم الثلاثاء 28/3، انه يتوقع ان تتم دعوة رئيس الحكومة، نتنياهو لزيارة البيت الأبيض، ولقاء الرئيس جو بايدن بعد عيد الفصح اليهودي في الخامس من نيسان/ ابريل".
ولم يتأخر الرد على السفير نيدس، ونفي افتراضه بمبدأ الدعوة، وبالزيارة في الوقت، الذي حدده، وجاء الرد الأساس والقاطع من الرئيس الأميركي نفسه، الذي اعلن مساء الثلاثاء اول امس انه "لا ينوي دعوة رئيس الوزراء نتنياهو الى البيت الأبيض في المستقبل القريب" لاكثر من اعتبار، أولا- مازالت الإدارة تخشى من مناورات رئيس الحكومة الفاشية، واستمراره في احراج الغرب عموما والإدارة الأميركية خصوصا بانقلابه القضائي؛ ثانيا- رغم العلاقات بين الرجلين الممتدة على مساحة أربعين عاما، الا ان الكيميا السياسية والشخصية غير متوفرة. فضلا عن عدم استقبال نتنياهو بايدن عندما كان نائبا للرئيس باراك أوباما عشية نهاية ولايتهم عام 2016؛ ثالثا- قناعة اركان الإدارة الأميركية بعدم منح رئيس الحكومة الفاشية جائزة ترضية الان، العكس صحيح؛ رابعا- الرغبة الكامنة في أوساط بايدن وكبار مساعديه تميل لمحاصرة زعيم الليكود الفاسد، والعمل على اسقاطه بشكل غير مباشر. لاعتقادها، في حال استمر في الإمساك بمقاليد الأمور، فإن العلاقات الثنائية ستتعرض لنكسة اكثر خطورة، مما قد يدفعها للطفو على سطح المشهد السياسي، وهو ما لا تريده الإدارة الأميركية.
وردا على صفعة الرئيس بايدن له، قال رئيس حكومة الترويكا الفاشية يوم الثلاثاء ذاته، ان "إسرائيل دولة ذات سيادة، لا تتخذ القرارات بناءً على الضغوط من الخارج. وانما وفقا لارادة شعبها (إسرائيل) وليس استنادا الى الضغوط من الخارج بما في ذلك افضل الأصدقاء" ولم يقتصر امر ردة الفعل على زعيم الليكود، بل عقب اكثر من وزير من الحكومة ابرزهم بن غفير، الذي قال " إسرائيل ليست نجمة في العلم الأميركي" وتناسى كل من رئيس الحكومة ووزير ما يسمى "الامن القومي"، ان دولتهم اللا شرعية هي النجمة الأكثر سطوعا في العلم الأميركي، وبالتالي الادعاء، ان إسرائيل ذات سيادة، وترفض املاءات إدارة بايدن، قد تطرب آذانهم، مع انهم يعلمون علم اليقين، ان الإدارة وفقا لتصريح زعيم المعسكر الرسمي، غانتس "أرسلت جرس انذار" فقط، ولم تتخذ اية اجراءات عقابية، بتعبير شعبي مجرد "فركة اذن" لرئيس الحكومة وائتلافه الحاكم. كونها هي صاحبة النفوذ الأول على الدولة اللقيطة، التي اسستها مع بريطانيا وباقي الحلفاء من الغرب الرأسمالي. واللبيب بالإشارة يفهم.
لكن على ما يبدو ان الزعيم الفاسد نسي نفسه، واعتقد، انه بات يقرر دون العودة لاسياده، واولياء نعمته، وبقاء إسرائيل على قيد الحياة حتى الان. وحدها الأيام القادمة ستكشف ان كان نتنياهو سمع جرس الإنذار، ام لا؟
المصدر:الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها