حماس تغطي تمسكها الصارم بالهدنة واتفاقاتها الأمنية مع إسرائيل من خلال خطة مشبوهة تنفذها بصرامة لشق الصف الفلسطيني، وهي بهذا شريك مباشر لدولة الاحتلال في إضعاف الكيانية الفلسطينية والوطنية الفلسطينية. وسائل إعلام حماس تستغل دماء الشهداء لتغذية الانقسام وتعميقه وقطع كل خيوط الأمل لإعادة توحيد القطاع والضفة، ومن يراقب وسائل الإعلام الصفراء هذه، وهي كثيرة ومتعددة الأغراض، يلاحظ أنها تسرق الأخبار والفيديوهات من وسائل إعلام فلسطينية أخرى حول المواجهات مع جيش الاحتلال وتستغل كل ذلك لتبث بين ثناياها سمومها لنشر الفتنة وزرع الانشقاقات وتعميق الانقسام.

وإذا حاولنا تفحص المساحات في وسائل إعلام حماس لوجدنا أن 80% تستهدف الشقيق الفلسطيني وليس فيها ضد الاحتلال الإسرائيلي شيء، أما العشرون بالمائة البقاية فهي للتتغطية بهدف دس السم في الجسد الفلسطيني. ولتقريب الفكرة دعونا نقارن بين إعلام وتصريحات مسؤولي حركة الجهاد الإسلامي التي لها بالفعل حضور في الميدان، وبين إعلام وتصريحات مسؤولي حماس، الأول، ورغم الاختلافات السياسية فإن لغتها تبقى وحدوية وتدعو إلى وحدة المواجهة ولا تبث سموم التفرقة والفتنة، والثانية، أي إعلام حماس، فإنه يكرس كل جهوده لخلق البلبلة وإضعاف وحدة الشعب الفلسطيني السياسية والميدانية.

السؤال المهم لماذا لا تحرك حماس ساكنا على حدود غزة حتى عندما تعرضت حوارة للحرق والتدمير، وخلال سلسلة المذابح التي يرتكبها جيش الاحتلال وميليشيات المستوطنين الإرهابية المتنقلة من نابلس إلى جنين وباقي المناطق الفلسطينية؟

الجواب بسيط: لأن حماس تريد أن تقدم نفسها لإسرائيل بديلاً للسلطة والمنظمة، بأنها هي من يستطيع ضمان الأمن لإسرائيل في المناطق الفلسطينية إن أوكلت لها تل أبيب هذه المهمة، فحماس تستخدم الدم الفلسطيني في سياق سعيها المتواصل لتقديم أوراق اعتمادها إلى إسرائيل ومن خلالها تقدم أوراق اعتماد جماعة الاخوان الأم لأميركا وقبولها مقابل ضمان الأمن، لذلك تضبط حماس الوضع على حدود قطاع غزة، لتقول أنا كما في غزة يمكن أن أفرض هدوءًا صارمًا في الضفة.

السؤال الثاني، لماذا تصر حماس على إبقاء فصل قطاع غزة عن الضفة بل وتعمق هذا الانفصال يوما بعد يوم، ألا يحقق هذا الانفصال هدفًا استراتيجيًا لإسرائيل؟

مهما كانت مبررات حماس لسيطرتها المنفردة على قطاع غزة، فإن إسرائيل وحدها هي المستفيدة من هذا الانفصال، فمن السهل على تل أبيب أن تناور على مركزين للقرار الفلسطيني، كما تستغل هذا الانفصال لتقول للعالم إن الفلسطينيين منقسمون ومع من نتفاوض؟ والانفصال مهم لإسرائيل لأنه يمنع الوحدة الجغرافية للدولة الفلسطينية ويبرر خطوات الاحتلال في الضفة للضم وإنهاء حل الدولتين.

والسؤال الثالث، يتعلق بطبيعة اتفاقيات الهدنة التي أبرمتها حماس مع إسرائيل بعد أربعة حروب دمرت عمليًا مدن القطاع أكثر من مرة؟

لم تشمل هذه الاتفاقيات أي بند وطني يمكن أن يربط بين الضفة وغزة، على سبيل المثال لم تحاول حماس حتى أن تطلب الربط بين وقف اعتداءات المستوطنين على المسجد الأقصى المبارك والهدن التي تبرمها، أو تشترط تجميد الاستيطان ولو لفترة محددة، أو وقف مخطط تهجير المواطنين الفلسطينيين من حي الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة، كل صفقات حماس هي لخدمة أهداف حماس الخاصة وليس فيها أي شيء للشعب الفلسطيني أو للقضية الفلسطينية، المهم أن يصلها المال في حقائب لاستخداماتها هي.

باختصار، حماس، هذا التنظيم الاخواني، لا يرى في فلسطين والقضية الفلسطينية إلا ورقة تستخدمها لمصلحة الجماعة الاخوانية وإلى تمكينه. وربما علينا أن نتذكر دائمًا أن هذا التنظيم الدولي لا يؤمن لا بالوطنية ولا بالقومية ولا بالحيز الجغراقي الوطني. بل هم يناهضون كل ما هو وطني وقومي فهي بالنسبة لهم قد تكون في لحظة أفغانستان أهم من فلسطين.

بإمكان حماس أن تقاوم الاحتلال والجميع سيقف بقوة إلى جانبها ولكن عندما تكون لغتها وحدوية وأن يكون هدف مقاومتها تحقيق مكتسبات للشعب الفلسطيني وليس خدمة لأجندات خارحية.

 

المصدر: الحياة الجديدة