الملف الفلسطيني لصيق الصلة بنشأة وتطور الحركة الصهيونية ودولتها اللقيطة واللا شرعية، ولا يمكن الفصل بين المسألتين طالما دولة إسرائيل قائمة على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني، وترفض الإقرار المبدئي بحقوقه السياسية والقانونية، وبقرارات الشرعية الدولية، خاصة: قرار التقسيم 181 لعام 1947، وقرار حق العودة 194 لعام 1949، والقرارات الدولية الأخرى المرتبطة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتواصل عمليات التطهير العرقي والعنصرية والكراهية على الأساس العرقي الوطني والقومي، فإن الشعب الفلسطيني وكفاحه التحرري سيبقى الركن الأساسي في حياة المجتمع الإسرائيلي، كما الماء والهواء والمأكل، ولا يمكن اختزاله، أو تقزيم مكانته، أو تهميشه والتغاضي عنه. فهذا مستحيل، والعكس بالعكس صحيح. 


وكل محاولات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ تأسيس دولة اسبارطة الصهيونية الفاشية عام 1948 بتنحية المسألة الفلسطينية باءت بالفشل وعلى كافة المستويات السياسية والاقتصادية والقانونية والثقافية الفنية والتربوية والدينية والإعلامية والعسكرية الأمنية. لأن الكابوس الفلسطيني يجثم على أنفاسهم جميعًا بمختلف تلاوينهم ومشاربهم، ومن خلفهم دول الغرب الرأسمالي وعلى رأسها الولايات المتحدة. 


أهمية ما ورد أعلاه، يكمن في التطورات التي يشهدها المجتمع الإسرائيلي من صراع حاد مع صعود حكومة غلاة النازية والدينية الصهيونية الأرثوذكسية في أعقاب انتخابات الكنيست الـ25 (مطلع نوفمبر 2022)، وحصول الحكومة على الثقة مع نهاية العام المنصرم، الذي تمثل في التضاد في مسألتين إسرائيليتين: أولاً التناقضات بين ما يسمى العلمانيين والمتدينين؛ ثانيًا الصراع على شكل ومحتوى النظام السياسي والفصل من عدمه بين السلطات، وخاصة الفصل بين السلطتين القضائية والتنفيذية. لا سيما وأن أركان الائتلاف الصهيوني الأقصوي بزعامة نتنياهو بدأ هجومًا حادًا على القضاء، واستقلاليته النسبية، ويسعى للاستئثار بتشديد سيطرة السلطة التنفيذية على مقاليد الأمور في الدولة، وإزالة أي ملمح يضفي على دولة الكراهية والفاشية الصهيونية الطابع "الديمقراطي"، ولم تحاول المعارضة من طرح المسألة الفلسطينية، لا بل سعت مع الموالاة على طمسها، كون الطرفين لهما نفس الهدف تجاهها، وبالتالي لم يرَ اي  تناقضات بين الفريقين في هذا الصدد. 


بيد أن هجوم 400 من قطعان المستعمرين عصر ومساء الأحد الماضي الموافق 26 فبراير، وإشعال الحرائق في بيوت السكان الفلسطينيين الامنين، والمحال التجارية والورش والسيارات، واقتحام الأحياء وإطلاق الرصاص والقنابل على المواطنين تحت حماية جيش الموت الإسرائيلي القاتل، وبدعم واسناد وزراء الحكومة الفاشية، الذين جميعهم صرحوا بمواقف عكست طبيعة المجتمع الإسرائيلي، التي نادت بمسح وإبادة حوارة وسكانها عن الوجود، وهذا ما ردده بتعابير متعددة، وإن اتفقت على المضمون بعض أركان الائتلاف، ومنهم سموترتيش وبن غفير وفوغل وإضرابهم من غلاة التطرف وإرهاب الدولة الصهيونية المنظم، وأظهرت إسرائيل المارقة والخارجة على القانون على الملأ على حقيقتها، كدولة استعمار اجلائي احلالي فاشي من طراز رفيع. هذا الموقف الخطير، الذي أحرج أميركا وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، ودفعهم جميعًا مرغمين لتوجيه النقد وإعلان الاستياء والشجب لتلك المواقف والدعوات والتبرؤ منها، وما زالت ارتداداته الدولية تتصاعد، فرض على المعارضة الإسرائيلية بزعامة يئير لبيد لركوب الموجة، وإبعاد الشبهة عن أنفسهم، من خلال رفض الاقتحام الإجرامي لقطعان المستعمرين، وإدانة المواقف النازية لأركان الائتلاف الحاكم، وإدراج الملف الفلسطيني رغمًا عنه وعن أقطاب المعارضة في ساحة الصراع مع حكومة نتنياهو النازية. ليس هذا فحسب، بل ان قطاع لا بأس به من جمهور المعارضة قام بالتظاهر تضامنا مع حوارة في تل ابيب، وتم جمع ما يقارب من مليون و300 الف شيقل لتعويض المتضررين من الفلسطينيين، والتظاهر امس في حوارة تضامنًا مع سكانها. 


وبعيدًا عن الخلفيات التي حكمت المعارضة، فإن إدراجها الملف الفلسطيني في الصراع مع الحكومة وأقطابها، عكس تحولاً إيجابيًا في مسار التناقضات التناحرية بين الموالاة والمعارضة الإسرائيلية، وأضاف قوة جديدة للمسألة الفلسطينية، ولضرورة حلها سياسيًا وقانونيًا، ووفق خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967.

 

لا سيما وأن انفلات قطعان المستعمرين الصهاينة تحت حماية ورعاية ودعم جيش العصابات الصهيونية، أكد للأميركيين والغرب عمومًا بأن الحلول الترقيعية، وتجزئة الملف الفلسطيني لا تجدي نفعًا، وتعمق الصراع، ولا تخفف منه، وبالتالي على صانع القرار الأميركي والأوروبي إلتقاط اللحظة للاندفاع إلى أولاً الاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ ثانيًا تأمين الحماية الدولية للفلسطينيين؛ ثالثًا إلزام حكومة نتنياهو السادسة بالتوقف فورًا عن ارتكاب جرائم الحرب، والعودة المبدئية لما كانت عليه الأمور عشية الانتفاضة الثانية عام 2000، ووقف كل الانتهاكات الصهيونية في الضفة الفلسطينية وفي المقدمة منها القدس العاصمة الفلسطينية؛ رابعًا فتح القنصلية الأميركية في القدس، وفتح الممثلية الفلسطينية في واشنطن، ورفع المنظمة من قوائم الإرهاب، وحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية خاصة المسجد الأقصى، ووقف كل الاقتحامات الإسرائيلية لباحات أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، والمحافظة على الاستاتيكو التاريخي... الخ.

المصدر: الحياة الجديدة