الحرية الفردية والجمعية مترابطتان في ظل وجود الاستعمار الأجنبي، او النظم البوليسية والديكتاتورية. لأن اعتقال انسان من أبناء شعب واقع تحت تير الاحتلال ناجم بالأساس عن مواجهة جرائم المستعمر، والدفاع عن الحقوق الشخصية والجمعية للشعب، كون مقاومة الفرد، هي جزء لا يتجزأ من المقاومة العامة لقطاعات الشعب المختلفة.

ونفس الأمر ينطبق على مواجهة النظام الاستبدادي، الذي يمارس القهر والبطش بالجماهير دون وازع أخلاقي أو قانوني، ويغتصب حرياتها، ويطبق على أنفاسها، ويفصل المنظومة القانونية على مقاسه ووفق أجندته الخاصة. وهو والاستعمار الأجنبي وجهان لعملة واحدة. لا يختلف بشيء عن الاحتلال الأجنبي، إلا في كونه يلبس عباءة وهوية الشعب. بيد أنه لا يمت بصلة للشعب إلا كونه يحمل الجنسية. وبالتالي المشترك كبير بين الاستعمار والأنظمة الشمولية.


غدًا الخميس الموافق 19 يناير الحالي يستنشق مارد فلسطيني جديد أنفاس الحرية، ويتحرر من ظلام السجن، وجرائم السجان، ويخط الخطى الأولى بعد أربعين عامًا خارج اسوار باستيلات الإرهاب الصهيوني المنظم، وينطلق البطل ماهر يونس محلقاً في فضاء الحرية، والآن في الساعات القليلة المتبقية، كما ابن عمه جنرال الحرية وعميدها كريم، الذي سبقه في معانقة الحرية النسبية في الخامس من يناير الحالي، أي قبل أسبوعين فقط، يعيش ماهر حالة من الارتباك، وطرح الأسئلة على الذات، وكيف سيتعاطى مع الأهل والأقارب وأبناء الشعب، ومع مفردات وتضاريس الحياة المختلفة، مع الهواء وشرب القهوة والسيجارة، والغداء، والمهنئين، والعالم القديم الجديد.
لكن المناضل الكبير، واحد رموز وعمداء الحرية الفلسطينية ماهر يونس، ابن حركة "فتح" كما جابه الجلاد الصهيوني المجرم طيلة أربعين عامًا بالتمام والكمال، وتحدى الموت والقهر ومخرز الفاشية بيده، ووقف كالجلمود شامخًا، سيعرف كيف يواجه التحدي الجديد، وسيتعود السير على الطرقات وقتما يريد، وكيفما يشاء، ويذهب لشاطىء البحر ليتنسم هواءه العليل، وسيروي للبحر روايته البطولية والخالدة في مسيرته الخاصة، ومسيرة الشعب العامة.
اطلاق شراع سفينه ماهر لتغب عباب البحر دون سلاسل القيد، وبعيدًا عن الاستيقاظ والنوم حسب أجندة الجلاد المستعمر، وتحررًا من العد اليومي الصباحي والمسائي، ومن الفورة اليومية وزمنها الضيق والخانق، هو اطلاق جديد لحرية الشعب، لا سيما وأن حرية كل أسير حرب من أسرى البطولة، هي حرية متجددة لروح وطاقات الشعب الفلسطيني العظيم، لأن حريات عمداء الأسر تشحن الشعب ومناضليه طاقات عظيمة. لأنهم صنعوا مجدًا لا يليق إلا بشعب التضحيات الفلسطيني العظيم، شعب العطاء والوفاء للأهداف والثوابت الوطنية.


لحرية ماهر وقبله كريم ولكل من سبقوهم من رفاق الدرب، الذين قضوا سنينا طويلة خلف الأسوار والقضبان، استنزفت أعمارهم في مواجهة يومية مع الجلاد القاتل والمغتصب للأرض والحرية ولحقوق ومصالح الشعب العليا، مذاق آخر، ولون آخر، وهندسة فريدة من نوعها في التاريخ الإنساني، لم يسبقهم أي شعب من شعوب الأرض إليها.


وهو ما يؤكد مجددًا للمرة المليون، أن شعبًا فيه فرسان وعمالقة من طراز رفيع وخاص، تحدوا الموت والجلاد وراء القضبان أربعة عقود طوال بأيامها ولياليها السوداء والموحشة والكئيبة واللزجة الرطبة، هو شعب فريد من نوعه، لن يهزم، لا بل سيهزم الموت والجلاد والبارود والرواية الصهيونية المزورة، وسيهزم من يقف خلفهم، وسيهزم الاستسلام والهزيمة العربية، وسيهزم كل أعداء المشروع الوطني التحرري الفلسطيني.


سيخرج ماهر غدًا إلى النور ويصافح أبواب ونوافذ الحرية، ويعانق المهنئين، رغم استعدادات أجهزة الأمن الإسرائيلية الاجرامية لمنع أبناء الشعب العربي الفلسطيني من الاحتفاء به وبخروجه مرفوع الرأس والهامة، وسيرفع العلم الفلسطيني، علم العروبة والحرية الحمراء، علم المجد والفداء، وسيضحك ملء شدقيه، ويهزأ من الجلاد الصهيوني بصوره ونماذجه المختلفة، وسيقول لهم، أنا هنا في عارة الشموخ والأصالة الوطنية، أنا هنا في وطني الأم، وفي بستاني الصغير بين أهلي وأبناء وأحفاد شقيقاتي وأبناء عمومتي وشعبي كل شعبي من النهر إلى البحر وفي الشتات والمهاجر، وبين شعوب ونخب أمتي العربية الأماجد من المحيط إلى الخليج، الذين قاتلت من أجلهم، ومن أجل رفع مكانتهم، ولأؤكد لهم وحدة المصير والمال المشترك، ومع كل حامل راية سلام في الكون بغض النظر عن دينه وعرقه ولونه وجنسه وخلفيته الفكرية السياسية وثقافته.


سيخرج المارد الفتحاوي الجديد ليقول للقاصي والداني من أبناء الشعب عودوا جميعًا لجادة الوحدة الوطنية، عدونا واحد، ومصيرنا واحد، ومستقبلنا بوحدتنا، وبحماية أهدافنا وثوابتنا، وتعزيز كفاحنا الوطني بكل الوسائل المتاحة حتى نهزم دولة التطهير العرقي الصهيونية، ونهدم أركان روايتها المزورة وأساطيرها وخزعبلاتها الوهمية، ومكونات مؤسساتها المسكونة بالتناقضات التناحرية، ونؤكد للولايات المتحدة وبريطانيا وكل الغرب الرأسمالي كان هنا الشعب العربي الفلسطيني، وكانت هنا فلسطين العربية، وستبقى فلسطين وشعبها ومن يرغب بالعيش بين ظهرانيه، وما صنعتموه من وهم، ومن إرهاب وفوضى في الوطن العربي الكبير سيزول، كما فقعات الصابون، حتى لو مضى مئة عام على أكذوبتكم واستعماركم بالوكالة.


مبرووووووووووووووووك كبيرة للمناضل الفتحاوي البطل ماهر يونس، ومبروك لأسرى الحرية انعتاق وتحرر عميد جديد من عمدائهم، وعقبال كل أسرى الحرية وعلى رأسهم شيخ الأسرى فؤاد الشوبكي وأحمد سعدات ومروان وعبد الله البرغوثي ورائد السعدي وكل عمداء الحرية.