حين ظهرت نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، أشرنا إلى ما كتبه حينها المحلل العسكري لصحيفة هآرتس "عاموس هرئيل" الذي أوجز على نحو بليغ طبيعة (المصيبة) التي ستحل بإسرائيل، لأن نتنياهو اختار كما كتب "إدخال مشعلي النيران المركزيين من الصهيونية الدينية إلى الحلبة".

بيني غانتس وزير الجيش الإسرائيلي، في الحكومة الراحلة بعد قليل، وبعد أن أعطى "بنيامين نتنياهو" حقيبة وزارة الأمن، للمتطرف "بن غفير" علق قائلاً "نتنياهو يقيم جيشًا خاصًا لبن غفير في الضفة الغربية".!!

انتصرت الكهانية في إسرائيل حقًا، غير أنه الانتصار الذي يؤسس للهزيمة التاريخية التي ستشهدها إسرائيل حين سيأتي التطرف الديني على أصحابه، إذ لا تعايش مع هذا التطرف، ولا تطور، ولا تقدم، ولا أمن، ولا استقرار، لا، بل ولا حياة ممكنة في مختلف فصولها، لأن من شأن التطرف الديني تحديدًا، الإقصاء لكل من يخالف مذهب هذا التطرف، ولا نعتقد أن إسرائيل كلها على هذا المذهب..!! 

بكلمات أخرى، النار اليوم في الداخل الإسرائيلي، وثمة إسرائيليون أيًا كان عددهم وأيًا كانت مواقعهم، يرون ذلك، ويتحدثون به، لكن "نتنياهو" مع عقدته الفلسطينية، يتوهم أن "بن غفير" وقد سلمه حقيبة الأمن، قد يرعب الفلسطينيين، فيحل عقدته معهم، ويدفع بهم إلى التسليم بمخططاته الاستحواذية...!! 

على هذا النحو سيظل نتنياهو دائرًا في حلقة أفكاره العنصرية الضيقة، بغطرستها التي تخلفها أوهام القوة، وهذه حلقة بسبب طبيعتها هذه، ستظل تضيق أكثر وأكثر حتى تأتي على صاحبها.

ما  لا يريد "نتنياهو" أن يراه هو  فلسطين بشعبها، وقيادتها، ومشروعها التحرري، قد اختبرت مختلف صنوف الإرهاب الدولاني الإسرائيلي، وإرهاب العصابات الصهيونية المتطرفة، من "الهاغاناه" و"شتيرن" حتى "فتيان التلال" و"تدفيع الثمن" وليس "بن غفير" جديدًا في هذا الصراع، وليبحث هو عن أمثاله الذين لم يعودوا حتى أثرًا بعد عين . 

فلسطين اليوم، هي فلسطين الدولة، في وعي المجتمع الدولي، الذي أقر بمقعدها المراقب في الأمم المتحدة، وهي فلسطين الموقعة على الانضمام إلى أكثر من ثمانين  منظمة، وهيئة، واتفاقية دولية، وهي فلسطين السفارات، والمؤسسات السيادية، والعقد الاجتماعي، وهي فلسطين المزارع، والمعامل، والمصانع، فلسطين المدارس، والجامعات، والمستشفيات، والأهم من كل ذلك هي فلسطين الشعب، الذي لا يكل ولا يمل، من السير في طريق الحرية، حتى يزرع وردتها البهية، في حقول القدس عاصمة دولته المستقلة، فما الذي سيفعله "بن غفير" مع فلسطين وشعبها، وهذا هو حال شعبنا، وهذا هو طبعه، وتاريخه، وقراره ..؟

فلسطين صاحبة الفضاء الأرحب، والفكر الإنساني الأصوب، بمشروعها الحضاري الأجمل، مشروع الحق، والعدل، والجمال، والسلام، وكل هذا يعني أننا لسنا الذين في حلقة ضيقة اليوم، وإن كان الاحتلال ما زال يضيق علينا، بوجوده البغيض، لكنا كنا دائمًا كما قال شاعرنا "نخلع أعضاءنا" كي نمر من أصعب الظروف وأضيقها، وسيكون لنا بعد كل ذلك ما نريد.

 

المصدر: الحياة الجديدة