نعتقد أن ساسة وجنرالات منظومة الاحتلال الإسرائيلي الذين خططوا ونفذوا الحملات العسكرية والمجاز والجرائم بحق شعبنا وقفزوا في مرحلة تالية لبؤرة النفوذ السياسي، باتوا على يقين أن استغلالهم للعوامل الخارجية، وتوسيع دائرة جرائمهم ونوعيتها ضد الشعب الفلسطيني لم يحقق الهدف، لذا ذهبوا لتنفيذ الخطة البديلة وهي إحداث تشققات وشروخ وانقسامات أفقية وعمودية في اركان بيت الشعب الفلسطيني عبر ضرب مبدأ الوحدة الوطنية، وتقديم الدعم للخارجين على مبادئ حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، والمستغلين للمشروع الوطني لإنشاء مشاريع خاصة وشخصية محورها تحقيق مراكز نفوذ قادرة على التأثير تمهيدًا للاستحواذ على السلطة الفلسطينية بعد تفريغها من الوطنية!! وصعدوا بوتيرة تنفيذ خطة استنزاف دماء شباب فلسطين قطرة قطرة، في ظل حملة عهدتها للطابور الخامس لتحطيم مقومات الجبهة الداخلية الفلسطينية، واصطناع اشتباكات بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية ومجموعات من المواطنين ضللهم فرع جماعة الاخوان المسلمين في فلسطين المسمى (حماس) توأم المنظمة الصهيونية المعادي للوطنية الفلسطينية، لتسهيل مهمة جيش الاحتلال الاسرائيلي وأجهزة استخباراته العسكرية والمدنية على السواء، ليس في مهمة اغتيال المناضلين وحسب، بل في اغتيال مبدأ التحرر والثقة بالسلطة الوطنية الفلسطينية، والأهم زعزعة الإيمان بمبدأ الدولة وسيادة القانون والنظام، ودفع الجمهور نحو التمتع بالفوضى والعبث بالمقدرات والانجازات التي هي ملك الشعب الفلسطيني، ما يعني توثيق حلقات الارتباط الشخصي والفئوي المصلحي وغير ذلك مع سلطة الاحتلال، فيما قيادة الشعب الفلسطيني تعمل على تفكيكها كافة.

يجب الانتباه، فاللحظة خطيرة جدًا، حيث نشهد دعاية مضادة للمشروع الوطني، هدفها التعبئة النفسية السلبية الفردية والجمعية عبر برنامج اساءة مخطط للأجهزة الأمنية الفلسطينية، هو في الواقع عدوان منظم على المناضلين شباب الانتفاضتين وأبناء الفدائيين الأوائل، فأصيب مشروعنا الوطني بكارثة تعادل النكبة بسبب ضعف بصيرتنا وغفلتنا، ولم يدرك البعض ما حدث لنا إلا عندما سيطرت حماس بالسلاح وسفك الدماء على غزة، اليقظة واجبة حتى لا نلدغ من جحر إسرائيل وحماس مرتين.

الخلاصة من المشهد الدموي اليومي على مسرح حياتنا الواقعية في مدن الضفة الفلسطينية المحتلة، هي أن ساسة وجنرالات منظومة الاحتلال الاستيطاني العنصرية الإرهابية (إسرائيل) يدركون جيدًا أنهم يواجهون حالة استثنائية، لا تخضع لقوانين التفوق العسكري أو الاقتصادي -رغم انعدام اي منطق لتطبيق هذا القانون على الأرض هنا في فلسطين المحتلة– فهنا شعب عربي فلسطيني عظيم كسر خلال مئة عام من الثورات والانتفاضات والهبات الشعبية المتتابعة  قواعد الغزو الصهيوني لفلسطيني عبر الإرهاب والمجازر والحروب المدمرة يعيشون لإخضاعه، ونعتقد أن ساسة وجنرالات المنظومة يعيشون الآن مرحلة انتقالية ليست متوازنة، يعتريها ضعف الرؤيا السياسية، لكنهم مستمرون في الحركة بقوة دفع مجموعة عوامل: الداخلية منها وأبرزها الصراع للاستحواذ على السلطة بوجهيها التشريعية والتنفيذية، باعتبارها السبيل والفرصة الأنسب لإثبات تأصل العداء والكراهية والعنصرية تجاه الشعب الفلسطيني، وتأكيد الرفض المطلق لمبدأ الإقرار بالحقوق التاريخية والطبيعية للشعب الفلسطيني، وحقه في تقرير المصير وقيام دولته المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس وفق قرارات الشرعية الدولية، أما العوامل الخارجية فكثيرة لكن أبرزها قدرتهم على أن المنظومة تواجه تهديدًا مزعومًا من ايران، وتضخيم نجاحاتهم في التطبيع مع انظمة عربية دفعتهم للتفكير أن الشعوب العربية غير مكترثة بمصير الشعب الفلسطيني. أما الآخر فاقناع المجتمع الإسرائيلي المتجه بسرعة فائقة قبل لحظة التدهور بأن قوة الردع الإسرائيلية قادرة على فرض سلام على العرب (العمق الاستراتيجي للشعب الفلسطيني) ما يعني تطويقهم والاستفراد بهم بعد إشعال صراعات داخلية دموية على خلفيات طائفية ومذهبية وعرقية في كل دولة عربية، لكن القدس قلب فلسطين النابض التي أطلقت هبة أيار 2021 العام الماضي التي شهدتها مدن ومناطق فلسطين التاريخية والطبيعية، فرضت واقعاً جديدًا لا قدرة للمنظومة الاستعمارية الصهيونية العنصرية على تجاهله، فشعب فلسطين ما كان ليستسلم، وإنما ليمحو مفهوم الخضوع والاستسلام من القاموس العربي.

 

المصدر: الحياة الجديدة