على أبواب مخيم جنين قتل الاحتلال صوت الحقيقة، شيرين أبو عاقلة التي عرفتها ساحات المخاطر التي تشهد على جرائم العدو ووحشيته، بعد حقبة طويلة من العمل الصحفي الدؤوب الذي ساندت فيه بالكلمة وطنها وشعبها، أبت الدماء الفلسطينية إلا أن تكون واحدة لتروي أكثر وأكثر أرض الوطن، وكم تحتاج فلسطين بعد من الدماء كي تغدو حرة من جبروت واضطهاد الاحتلال.

لروحها السلام الذي كانت تبحث عنه في بلادها وهي الفلسطينية ومن ثم الصحفية التي شاء الاحتلال بإجرامه أن يقتلها عمدًا لتتكلل مسيرتها الإعلامية بشهادة الوطن الذي لم تهدأ ليلاً ونهارًا في ملاحقة ومتابعة أخباره.

شيرين يكتبها التاريخ مناضلة في كل ساحة من ساحات فلسطين، في القدس والشيخ جراح، على أعتاب المسجد الأقصى وبواباته، أمام زنازين الاحتلال التي يحتجز الاحتلال فيها آلاف السجناء الفلسطينيين، أمام البيوت التي يهدمها على مرأى من أهلها، هكذا اختزنت شيرين دموع وعذابات شعبها وحكايا وطنها قبل صعودها إلى السماء.

 وليست جريمة قتل شيرين أبو عاقلة إلا واحدة من جرائم الفصل العنصري التي ينتهجها الاحتلال في سياق تصفية كل من هو فلسطيني، لم تردعه خوذتها الصحافية، أكثر من ذلك حاول وبكل وقاحة إسناد جريمته الموثقة إلى نيران فلسطينية، وأصدر تعليمات بإجراء تحقيق في الحادثة!! يترأسه قائد لواء الكوماندوز العقيد "ماني ليبرتي" الذي كانت قواته العسكرية تنفذ عدوانا عسكريا في جنين!! حيث استشهدت أبو عاقلة..كذبة سمجة لمن يتفلت من كل قوانين الأرض في وقت يواصل المجتمع الدولي الشجب والاستنكار والكيل بمكيالين.

 اغتيال أبو عاقلة يأتي ضمن سلسلة جرائم الاحتلال التي كلما استفحلت ارتدت عليه، لعل شريحة إسرائيلية أكبر باتت تفهم اليوم أن نظام الفصل العنصري الذي اتبعه الاحتلال لم يولد إلا الحقد والكراهية وقد بدأ الإسرائيليون يقطفون ثماره على الأرض التي احتلوها،  وصف البعض ما وصل إليه المجتمع الإسرائيلي بضريبة العيش في بلاد ليست بلادهم ودق آخرون ناقوس خطر زوال مشروع الدولة العبرية على أرض فلسطين، هكذا الخلاف الإسرائيلي يتعمق والانتقادات الداخلية تواجه سياسة حكومة بينيت كغيرها من الحكومات التي تعاقبت على الكيان المحتل.

على أعتاب الذكرى الرابعة والسبعين لنكبة فلسطين، الرواية الفلسطينية الحقيقية تقض مضاجع الاحتلال وشيرين أحد ناقلي هذه الرواية بأمانة وصدق، فيقتلها، ولكن، لا غابت شيرين التي زادت جريمة إعدامها في فضح الكيان المحتل وكل صامت في هذا العالم عن فظائعه ولا غابت الرواية التي يحمل أجيال فلسطين حروفها وفواصلها، وهم الذين تفتحت عيونهم على حكايا الوطن المسروق، وشريط الجرائم اللاإنسانية المتواصل بالثواني والدقائق الذي أسقط النسيان الذي اتكأت عليه غولدا مائير وجعل من شيرين أبو عاقلة وكل شهداء فلسطين ومناضليها أقمارًا ينيرون درب حريتها.

 

المصدر: الحياة الجديدة