استشهاد شيرين أبو عاقلة، كان تراجيديًا، ذكرني باستشهاد كل من الوزير زياد أبو عين، رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الأسبق في العاشر من كانون الأول/ديسمبر 2014 في قرية ترمسعيا، وهو يزرع الزيتون ليغرس الجذور الفلسطينية في أرض الوطن، واستشهاد الناشط الفلسطيني المقعد إبراهيم أبو ثريا على السياج الحدودي الفاصل بين قطاع غزة وأراضي الـ48، أثناء مشاركته فيما أطلق عليه مسيرات العودة في 15 كانون الأول/ديسمبر 2017، الذي بترت رجلاه نتاج الاجتياح الإسرائيلي لمحافظات الجنوب نهاية عام 2008، وهناك الكثير من الأبطال التراجيديين الفلسطينيين، الذين قدموا أرواحهم دفاعا عن الحقيقة والرواية الفلسطينية، وإن اختلفت مهامهم ومواقع عملهم وخلفياتهم. لكن في هذه اللحظة لم تسعفني الذاكرة إلا باستحضار كل من الشهيدين زياد وإبراهيم.

كانت الإعلامية النبيلة، التي وثقت خلال ربع قرن من عملها في مؤسسة الجزيرة الفضائية كما هائلاً من الجرائم الإسرائيلية ضد أبناء شعبها الفلسطيني، وسلطت الضوء عليها من خلال تغطيتها الدؤوبة والمتميزة لمعظم الأحداث المهمة منذ انتفاضة الأقصى الثانية في عام 2000 حتى يوم الدنيا هذا- عنوانًا وعلمًا ورقمًا نوعيًا في ميدان الدفاع عن الحقيقة وكشف وجه إسرائيل الإجرامي. ورغم ترجلها عن مسرح الخبر والحدث بعد أن استهدفها أحد قناصة جيش الموت والجريمة المنظمة الإسرائيلي في مخيم جنين غراد، أثناء محاولة اقتحام القوات الصهيونية للمخيم في استهداف مباشر وعن سابق تصميم وإصرار لاغتيالها، إلا أن دمها الزكي أضاء سماء الدنيا، كأنه سراج منير وعرى إسرائيل. وكشف مجددًا حقيقتها كدولة استعمار وإرهاب منظم تخشى النور والضوء، وترفض حرية الرأي والتعبير، وتعمل على حجب المعلومات والرواية والوثيقة الحقيقية عن جرائم حربها، لذا كانت أصابع جنودها الاسبارطيين على الزناد، لإطلاق الرصاص الحي على الإعلاميين والمنابر الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية دون تفريق.

وعليه لم يكن اغتيال المرأة الشجاعة والمعطاءة، أيقونة الإعلام الفلسطيني عملاً عرضيًا، أو صدفة، لا بل استهداف مقصود، وموجه، أراد منه قادة جيش العصابات الصهيونية الإجرامية خنق وتبديد الرواية الفلسطينية، وملاحقة فصولها ومنابرها وعناوينها بهدف شطبها وتصفيتها، لتسييد روايتهم المزورة، التي لا تقبل القسمة على حقائق التاريخ والجغرافيا والموروث الحضاري في أرض ووطن الشعب الفلسطيني.

وأدوات دولة التطهير العرقي الإسرائيلية القاتلة لا تميز بين إعلامي وإعلامية، ولا بين منبر ومنبر، فكل إعلامي أيا كان جنسه وعمره ومنبره وهويته القومية معرض للاغتيال، طالما يدافع أو على الأقل ينقل الخبر والصورة والمشهد عن جرائمها ضد الشعب الفلسطيني ويعريها ويفضح حقيقتها للعالم أجمع.

ومحاولات إسرائيل وجيشها الالتفاف على حقيقة إعدامها للإعلامية الخلوقة والمبدعة أبو عاقلة، وهي ترتدي سترة مدون عليها هويتها الصحفية، والادعاء بأن من أطلق الرصاص هم الفلسطينيون، ليس إلا تزويرًا وتلفيقًا وافتراء على الحقيقة. ولا يجوز للعالم أن ينجر إلى متاهة إسرائيل العبثية المعروفة في خلط الأوراق، ودس السم في الدسم. وبالتالي على العالم ومؤسساته الإعلامية والقانونية والطبية الأممية أن تدرك الحقائق التالية: أولاً- دولة إسرائيل الاستعمارية، هي القائمة بالاستعمار على الأرض الفلسطينية على مدار الأعوام الـ74 الماضية؛ ثانيًا- من يقوم بعمليات التطهير العرقي في الأرض الفلسطينية وضد أبناء الشعب الفلسطيني هي أدوات إسرائيل التنفيذية العسكرية والأمنية؛ ثالثًا- القوة العسكرية التي جاءت لاقتحام مخيم جنين، هي الجيش الإسرائيلي، وهو المستهدف أبناء الشعب في المخيم وأيضا وسائل الإعلام التي جاءت لتغطية جريمته الجديدة؛ رابعًا- من يقوم بعمليات التحريض اليومي على القتل ونهب الأرض وأخذ القانون باليد، الذي يدعو قطعان المستعمرين لحمل السلاح وإطلاق الرصاص دون وازع أخلاقي أو قانوني ولمجرد الشك على المواطنين الفلسطينيين، هي حكومات إسرائيل المتعاقبة؛ خامسًا- من يحمي القتلة الصهاينة من العقاب هي الحكومات الإسرائيلية، التي سنت العديد من القوانين للتغطية على جرائم القتل الفاشية، التي تتم على مدار الساعة في الأرض الفلسطينية، كما حصل أمس الأربعاء باستهداف أحد الشباب على جبل الطويل في مدينة البيرة وأردته شهيدا بعد اغتيال شيرين، وأيضًا استهدفت أحد الشباب في المسجد الأقصى، والقائمة تطول، ولا يتسع المقام لاستحضار عمليات القتل الإسرائيلية الجبانة للفلسطينيين بدم بارد؛ سادسا- الدولة المحمية من القانون الدولي والملاحقة الأممية هي إسرائيل بدعم مطلق من الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب الرأسمالي، التي تكيل بألف مكيال. وبالتالي محاولات تغطية الشمس بغربال لا يفيد إسرائيل ولا من يحاول تغطية جرائمها.

اغتيال شهيدة الخبر شيرين أبو عاقلة فضح وعرى دولة الإرهاب الإسرائيلية المنظم، وأماط اللثام مجددًا عن وجهها القبيح والفاشي، ورغم سقوطها مدرجة بدمها، إلا أن شيرين انتصرت بدمها على دولة إسرائيل، وأمست سيدة الأخبار على فضائيات الدنيا كلها؛ لأنها انطقت الحقيقة بدمها، وقالت للعالم الرأسمالي الغربي هذه هي صورة وشواهد ومعالم مستعمرتكم القاتلة.

 ستبقى الإعلامية المدافعة عن الحقيقة، التي حملت طيلة سنوات عملها الخمس والعشرين الماضية في المنابر الإعلامية المختلفة راية الأمل والنور شمعة مضيئة في سماء فلسطين، وعنوانا راسخا في سجل الخالدين بين إعلاميي ورواد الحرية والسلام والكلمة الصادقة من أقرانها الفلسطينيين.

وداعًا شيرين المرأة الفلسطينية الأصيلة، غادرت المسرح باكرا، لكنك كنت وستبقين عنوانًا راسخًا ومتجذرًا في معركة الدفاع عن الرواية الوطنية والسلام. وسلام لروحك الأبية.

 

المصدر: الحياة الجديدة