منذ عقود وأنت يا أحمد العربي تصرح بأنك ضد قتل المدنيين سواء كانوا يهودًا أو مسلمين أو مسيحيين، أو سواء كانوا عربًا أو يهودًا أو أوكرانيين حتى زاحمت الأنبياء والقديسين وغاندي عليهم السلام. ومنذ سنوات وأنت تطالب بجمع مئات الآلاف من قطع السلاح غير المرخص من المواطنين العرب في البلاد. وكم مرة قلت بأن السلاح الذي هو اليوم بأيد عربية ضد أجسام عربية وتغض المؤسسة الطرف عنه لا بد من أن يصل يومًا إلى جسد الآخر... ولم يسمعوك.

نددت ونبهت وحذرت من هؤلاء المتأسلمين البعيدين عن روح الإسلام وتعاليمه، ممن يسمون "الدواعش" أحيانًا و "جبهة النصرة" أحيانًا وأشرت بإصبع الاتهام لمن غذوهم ومولوهم وسلحوهم ونقلوهم من دولة إلى دولة. هؤلاء المسلمون الذين قتلوا مسلمين ودمروا مدنهم وبيوتهم وزرعهم وشجرهم أكثر مما فعل جنكيزخان والصليبيون. ولكن السلطان لم يسمعك بل عمل جاهدًا مسخرًا أجهزته كلها كي يرميك بدائه وينسل.

أنت يا أحمد العربي تحب الحياة على هذه الأرض، وتحب الشمس والقمر والزهر والشجر وعيون الماء. وتحب أهلك وبيتك وجارك ولكنهم لا يريدون لك هذا الحب.

أنت متهم منذ الولادة إذا أمطرت السماء وفاضت الوديان. وأنت متهم إذا شح الماء وقل المطر ونقص ماء البحيرة، وأنت متهم إذا ما تلطخ ماء البحر، وإذا ما جف النهر، وإذا ما زادت نسبة الحر.

وأنت متهم دائما لأنك عربي أولاً وأسمر البشرة ثانيًا وتأكل الخبز والزيت والزعتر في وجبة الفطور ثالثًا وتقول "لا إله الا الله" رابعًا.

قد تكون طبيبًا ذا درجة عالية، مسؤولاً عن قسم في مستشفى "هداسا" في القدس أو في مستشفى "رامبام" في حيفا أو غيرهما، وقد تكون صيدلانيًا كبيرًا مديرًا لإحدى الصيدليات الكبرى في مجمع شهير في تل أبيب أو غيرها، وقد تكون خبيرًا في أحد العلوم الدقيقة في معهد "رحوفوت"، وقد تكون لاعب كرة قدم في منتخب الدولة أو في فريق كرة كبير مثل "مكابي حيفا"، وقد تكون خبيرًا قديرًا في "الهايتك" في مؤسسة ذات سمعة عالمية، وقد تكون وتكون وتكون ولكنك في النهاية عربي. ولون بشرتك أسمر وتحمل اسمًا عربيًا فأنت "كلما دق الكوز في الجرة" متهم وخطير، وعليك أن تثبت براءتك وموالاتك لهذه الدولة، وتهرع إلى وسائل الإعلام على أنواعها وتشجب وتندد وتستنكر عملاً بعيدًا عنك بُعد الإعلام الإسرائيلي عن الموضوعية، في أي حدث عربي أو في أي حدث للعرب علاقة به، أو بعيدًا بعد بن غفير وسموطرتش عن الإنسانية، أو بعد "عربست" بارز في إذاعة إسرائيل أو تلفازها عن احترام العرب. ولا يحق لك أن تسأل هؤلاء الإعلاميين لماذا يواجهونك دائما بالسؤال إياه: "هل تستنكر؟ هل تشجب؟" ولماذا لم يطرحوا السؤال نفسه على موشيه ويتسحاك وألون زملائك في العمل عندما قتل باروخ غولدشتاين العشرات في مجزرة الحرم الإبراهيمي أو عندما حرق المجرمون الفتى أبو خضير أو عندما حرق القتلة أفراد عائلة الدوابشة في بيتهم أو حينما قتلت الشرطة عربيًا من القدس أو من النقب أو من الجليل بلا سبب سوى عروبته؟

ولا بد لك من أن تتأكد بأن السؤال "هل تستنكر؟ أو هل تشجب؟ أو هل تندد؟" مختص بك ومفصل على مقاسك الجسدي والعقلي أيها العربي المواطن في دولة إسرائيل والذي ولد أجداده على هذه الأرض قبل قرون وقبل أن يولد هرتسل. وفي هذا السؤال استعلاء من السائل وفيه إهانة للمسؤول.

هل نحن مواطنون أم رعايا يا أيها الإعلام الإسرائيلي؟.

 

المصدر: الحياة الجديدة